أحرقت قلوبنا تلك المناظر البشعة التي تتداولها وسائل التواصل الإجتماعي والسوشيال ميديا ، من تعذيب وإهانة وحرق للبشر أحياء، وتعرية النساء والفتيات وتعليقهم على الأشجار عرايا، فضلا عن الاغتصاب، في تلك الدولة البورمية “ميانمار” التي تعرف رسميا باسم جمهورية اتحاد ميانمار بورميه، وهي إحدى دول شرق آسيا، والعالم المدعي حفاظه على حقوق الإنسان، صامتا صمت النعاج، وعندما تمخض ولد فأرا، كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو ” في غرب ميانمار، وكأنه لا يدري أن الكارثة وقعت أصلا. يعيش ما يقارب 8 مليون مسلم في “بورما” من أصل 55 مليون من السكان، وينتمون لقبائل “الروهينجا” المنحدرة من أصول عربية، وفارسية، وهندية، وتركية، ويقطنون في ولاية آراكان غرب البلاد على حدود بنغلاديش، ويحكم “بورما” الجيش البوذي الذي احتل آراكان عام 1784م بقيادة الملك “بوداباي” الذي على إثره ضم الولاية إلى “بورما” المسماه “ميانمار” وذلك خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، ومنذ ذلك الحين استمر البوذيون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم، وتكملة للاضطهاد كأن هذا نصيبهم في الدنيا، احتلت بريطانيا “ميانمار” عام 1824م، لتضمها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية، التي تم فصلها هي وإقليم “آراكان” عام 1937م، لتكون مستعمرة مستقلة عنها، وعرفت بحكومة ميانمار البريطانية، وظل المسلمون يناهضون الإستعمار البريطاني ولم يستسلموا بل وقاموا بمواجهتهم، مما جعل القوات البريطانية محاولة التخلص منهم بتحريض البوذيين ضدهم وتم مدهم بالعتاد والسلاح ليرتكبوا بها مذبحة بشعة عام 1942م، قتل فيها ما يقارب 100 ألف مسلم من “آراكان” ، وفي عام 1948م، منح البريطانيون الاستقلال لميانمار على أن تمنح العرقيات الاستقلال عنها بعد 10 سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن نقضوا العهد واستمروا في احتلال “آراكان” وقاموا بأبشع الممارسات ضدهم، حتى جاءت انتخابات 2010م، على أمل أن تتغير الأوضاع، ولكن على إثرها تم تهجير ما يقارب 4 مليون مسلم حتى الآن مع مئات الألاف من القتلى والمشردين. في عام 2016 تم اختيار حكومة جديدة بقيادة الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية، برئاسة المستشارة “اونغ سان سوتش” والرئيس “هتين كياو” بعد فوزهم في انتخابات نوفمبر 2015، وكانت هذه أول حكومة منتخبة منذ 1962، وبموجب الدستور كانت السلطة للجيش البوذي ، وسيادة التشريعات القمعية مع ضعف سيادة القانون والقضاء الفاسد، وهذا سيكون فيه تحد كبير للحكومة المنتخبة الجديدة، والصلاحيات المطلقة للجيش بموجب دستور 2008 الذي منحه الاستقلالية عن الرقابة المدنية، وتوسيع سلطته على الحكومة والأمن القومي، وسيطرته على وزارات الدفاع، والشئون الداخلية وشئون الحدود، ومنحه 25 مقعدا دائمين بالبرلمان، ما يجعله قادرا على رفض أي محاولة في تعديل الدستور الذي يخوله باستلام السلطة في حالة الطواريء، فالجيش يمتلك صلاحيات كبيرة مع القوة والعتاد والسلاح ، لذلك يقومون بالقتل والتعذيب والعنف الجنسي، واغتصاب النساء والفتيات، وحرق ممتلكات المسلمين وهدم مبانيهم التي تجاوز عددها3000 منزل، ونزح المدنيون بعد تعرضهم لانتهاكات بشعة من القوات البورمية المسلحة “الجيش”، وقيامهم بعملية تطهير عرقي ضد “الروهينجا”. حال الأمة أصبح مزريا ، وسيزيد سوءًا بسبب انشغالنا بأنفسنا في صراعات ليس لها معنى، مما تسبب في إضعافنا ووصولنا لدرجة المذلة والمهانة ، كما في كل من العراق والحرب الداخلي الطائفي وإبادة ممنهجة لاهل السنة بقيادة الحشد الشعبي الإيراني، وسوريا ولبنان اليمن وفي كل بقعة فيها مسلمون، فهل يخشى العالم من الوجود الإسلامي وتمدده ؟ كما خشيت من قبل بريطانيا في بورما من التمدد الإسلامي خاصة بعد مقاومتهم عام 1824. على البلاد العربية والإسلامية التحرك وبسرعة ضد هذه الانتهاكات البشعة، وأخذ موقف من الدولة البورمية، بطرد سفرائهم وممثليهم من دولهم، فكيف لنا أن نقبل أن يعيش على أرضنا وبين أظهرنا قاتل.