مرحلة الربيع العربى، وما بعدها، خاصة فى الأنظمة الجمهورية، لها مطلب واحد، إعدام الرئيس، وربما جميع من حوله، أقل من ذلك خيانة للثورة، ولدم الشهداء، وللقضية، ولكل الوطن. لا يجوز أن تبقى الثورة بجناح واحد من الدم، النظام الذى قتل يفترض أن يقتل شنقًا فى الميادين التى تحركت منها عجلة الثورات، أو بأية وسيلة كانت، بذلك يأخذ الشهداء بثأرهم، والأحياء لتخمد نارهم.. ومصر التى استمتعت، ومعها العالم بأسره، إلى جلسة الحكم على أركان النظام السابق وضعت خيارها فى بند واحد، لا يجوز إلا الإعدام.. كل ما خلاه باطل.. مبارك لن يجد السجان فى عمره ما يكفى للمؤبد.. وإن وجد قليلا فى رجل قبضته الحديدية حبيب العادلى، هذا الذى لم يعد حبيبا، ولم يكن عادلا، كما يشير اسمه. قبل صيف التقيت فى جلسة حوارية إسكندارنية بقاض مصرى وكانت نقطة الالتقاء معه فى الحوار أن الثورة لن تهدأ إذا لم تعلق المشانق، راهن على القدر فى إعدام الرئيس، لكبر سنه واجتماع الأمراض على الجسد الواهن والروح الذليلة، لكن عنق العادلى مهيأ لحبل المشنقة بامتياز، وزير داخلية مات الكثيرون فى أقبية سجونه، كما استشهد العشرات من شباب مصر، حينما زحفت أجهزة الأمن عليهم برصاصها ومجنزراتها. فى الحكم على مبارك والعادلى بالمؤبد بعض سكينة للأحياء والشهداء. تعالى بعض الفرح، لا بأس فى حكم كهذا، وإن لم يكن كما تشتهى النفس وتتمنى.. لكن أن يخرج نجلى الرئيس براءة بعد عام ونصف من السجن والمحاكمات وكثرة ما أشيع عن استغلال السلطة.. فهذا لم يكن فى حسبان أحد. وأن ينال كبار مساعدى العادلى براءة، وقد فعلوا ما فعلوا قبل الثورة (السجون المجانية والتعذيب القاتل) وأثناءها.. فذلك من غرائب مصر.. أم الدنيا. كأنه محكوم على هذا البلد ألا يعطى مواطنه فرصة الاستقرار والعيش الكريم. نبتت على تربة النظام الملكى نظام جمهورى أخذ من سابقه البقاء فى الكرسى حتى الموت، وتطهير البلاد من المعارضين، وزرع مخبر فى كل زقاق، وتعيين جلاد لظهر كل مرتد. وجاءت الثورة بأيدى الناس البسطاء، لكن خيراتها سرعان ما هربت من شفاههم المتحرقة لجرعة ماء بعد عقود من العطش والجوع، تلقفها القادر على بذل المال ليشترى الأصوات فى الانتخابات، ومن يعرف كيف تؤكل لحم الكتف فيكرّش أكثر من خيرات وطن تفيض على كل فم لو تحقق بعض العدالة.. بلاد وجدت نفسها بين جنرال وشيخ، بين واحد من الفلول الذين عصفت بهم ثورة قدمت الشهداء وصبر الأحياء وبين شخص من الإخوان قادم من الصفوف الخلفية رافعًا شعار التحليل والتحريم (وما يوصله إلى الحكم حيث الغاية تبرر الوسيلة). وبلاد انتظرت طويلا عدالة تعيد إليها بعضًا مما سرق منها.. وتعاقب القتلة واللصوص، وقد نكلوا بها سنوات طوالاً.. هل ستهدأ مصر بعد كل تضحيات شبابها ليخطفوا منها ثورتها، هذه التى عجزت عن تحقيق مطلب المشنقة تحت بند العدالة، وعن إيصال شخص تؤمن به يجلس على سنوات الحكم فترة واحدة، لا عمرًا بأكمله؟ إنما.. مصر ما قبل الثورة ليست ما بعدها.. وإن لم تعلق المشانق عاجلا.. فإنه ليس من المستبعد أن تهدأ النفوس حين يتحقق حلم جماهير الثورة برؤية عنق معلق.. ولو آجلا. facebook.com\msrahby