إن هذا الشعب الطيب الصبور والذى عاش دهرًا طويلاً فى تيهٍ لا قرار فيه ولا يقين ولا نور وظل يقبع صامتًا تحت وطأةِ نظام لا قلب له ولا ضمير يتقلب فى نار ظلمه وظلامه وينداس تحت ركام زيفه وتضليله ويتخبط فى ظلمات وظنون لا يستقر منها على يقين – إن هذا الشعب الودود آن له أن يقول كلمته ويختار قيادته ويخط معالم طريقه بيده ولكن قبل أن يخطوَ هذه الخطوة المصيرية ويصنع هذا القرار التاريخى وقبل أن يستقر الضمير المصرى على قرار اختيار القائد لابد أن يستقر ضميرنا فى أمر عقيدتنا وتصوراتنا حتى ننتهى إلى يقين واضح مستقيم فى ظل هذا التيه والإرث البغيض الذى خلفه النظام البائد والذى تنأى بحمله الجبال الراسيات. وحتى نعالج أمرنا علاجًا وافيًا شافيًا: أولاً: لابد من تحرير العقل البشرى (حاكم ومحكوم) من فلسفة الأنا وتقديس الذات البشرية وأنها لا تخطئ وأنها فوق المساءلة. ثانيًا: لابد من تحديد علاقة المخلوق بخالقه من توحيد خالص وأدب ومراقبة لنتخلص من رواسب وضلالات النظام البائد وآثامه اللعينة. ثالثًا: لابد من تحديد طبيعة العلاقات الإنسانية بين أفراد الوطن والقائمة على أساس من الحب والوحدة وحسن الظن وإيثار المصلحة العامة. رابعاً: لابد أن يتجه الجميع نحو مصلحة هذا الوطن والقائمة على الوازع الدينى (مسلم ومسيحى) والذى يدفعنا دفعًا لحب هذا الوطن فكلنا فى خندق واحد تحكمنا أهداف مشتركة كى تتحقق لابد أن تظل فى ضميرنا مكينة راكزة لا يتطرق إليها وهم ولا يتسرب إليها يأس. خامساً: لا ينبغى أن نتجاهل الدور العظيم الذى قام به شباب الثورة المباركة -على اختلاف تنوعه- فى تحرير الضمير المصرى وإعتاقه وإطلاقه من شبح الخوف ووهم اليأس واستحالة الخلاص من نظام طال حكمه وتطاول فحشه كان يطارد هذا الشعب مطاردة الخصوم الأعداء ويحاربه فى أمنه وقوت يومه وحريته ومعتقده. الله وحده قادر على أن يجزيهم إكرامًا وإحسانًا وتحية حب ودعاء قبل أن يكتب الشهادة لكل من داهمته أو دهسته مدافع وسيارات عصابة الإجرام. سادساً: لنعلم علم اليقين أنه لن تستقيم حياتنا ما لم نستقم على منهج الله وما لم يستقر فى ضمائرنا أن جزاءنا على الأرض ليس هو نصيبنا الأخير ولابد أن نثق بمحدودية عمرنا وأن لنا حياة أخرى لابد أن نجاهد لها معتمدين على العِوض الذى نلقاه فى الآخرة. ..من هنا نعلم أن قوة المجتمع الحقيقية مستمدة من قوة إيمانه بالله وطبيعة العلاقة الفاعلة بين أفراد المجتمع والقائمة على موقف التعرف والصداقة لا موقف التخوف والعداء. ..ولنعلم أن مفرق طُرق بين النظام والفوضى. فالفوضى لا قانون لها بل تحكمها نوازع الشر والصراعات المدمرة والتى كانت بدايتها المشئومة قول قابيل لهابيل (لأقتلنك). أما النظام فهو التحرر المطلق من كل عبودية إلا لله المعبود الحق، وتلك هى القوة المهتدية والقائمة على الحق والعدل والخير. ..أيها الشعب الحر الطيب الواعى قبل أن تختار قائدك وربَّان سفينتك (ونحن على أعتاب المرحلة الثانية من الاختيار) استخر ربك واستشر عقلاء قومك وصل حبلك وقلبك بربك الرحمن الرحيم وكن مستعليًا على نزواتك وشهواتك وعظِّم الهدف وعلِّ الغاية وانتظر جزاءك الأوفى من ربك الكريم الأعلى. .... يا شعبى الواعى تذكر قول رسول الإسلام عن جبل أحد (هذا جبل يُحِبُّنا ونُحِبُّه) إنها كلمات حانية تحمل الود والحب لكل ذرة من تراب الوطن فى أقوى معانيها، وهذه مصرنا تُحبُّنا ونُحبُّها. فيا قومى هلَّا وعينا الدرس فى ظل هذا العُرس... عُرس اختيارنا للرئيس القادم؟! ..وصفوة الكلام (إن الرائد لا يكذب أهله)، فإن علمتم فيه مهمزًا فلا تجيبوه ولا تطيعوه ولا تأسوا عنه. وإن علمتم فيه خيرًا وأنه بالصدق قادم وللشعب خادم وبالحق صادع ولله طائع فيا قومنا أجيبوا داعى الله، وإن تطيعوه تهتدوا. ..وفى الختام لا أجد لى ولكم مثلاً إلا ما قاله نبى الله صالح لقومه:{لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم}..!