حسنا فعلت السلطة باستدعاء اسم الرئيس الراحل محمد نجيب وإهداءه إلى ذاكرة المصريين بإطلاق اسمه على منشاة عسكرية هامة وهذا حدث قبلا مع الفريق الشاذلي والفريق الجمسي وكبار القادة الذين تم إهمالهم وتجاهلهم عمدا وقصدا وهو ما لاقى احتراما وترحيبا من المصريين. في عهد الرئيس الأسبق مبارك تم إطلاق اسم الرئيس نجيب على أحد محطات المترو ومن يعرف أخلاق مبارك يتوقع انه فعل ذلك فقط حتى يمكنه إطلاق اسمه واسم ناصر والسادات على المحطات التالية, وحين توفى بعد ثلاث سنوات من حكمه (1984م) شيعه في جنازة عسكرية كرئيس سابق ليقول للمصريين إنه ليس ناصر وليس السادات كما كان يقول في المؤتمرات الصحفية أول سنة في حكمه, أقول ذلك وأشير إلى أن خلق الوفاء لم يكن من أخلاق مبارك ولم تعرف عنه هذه الصفة أبدا حتى تجاه أبويه وهاكم ما فعله مع قائده ومدربه الكبير فى سلاح الطيران الفريق مدكور أبو العز حين أغلق التليفون في وجهه أمام المهندس حسب الله الكفراوي الذي ذكر أيضا أن مبارك لم يكن بارا بأبيه وكان يخجل من وظيفته المتواضعة (محضر في محكمة) ويستعر منه وروى أن والده ذهب لزيارته في الكلية الجوية وكان مبارك رئيس أركان الكلية وقتها فرفض مبارك مقابلته وطلب من حرس الكلية عدم إدخاله وحين علم الفريق مدكور أبو العز قائد الكلية الجوية (1956-1967) علم بالواقعة مسح بكرامة مبارك الأرض كما يروى المهندس الكفراوي.. ومن ينسى إصراره على وضع الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب أكتوبر في السجن ومن ينسى ما فعله مع المشير عبد الحليم أبو غزالة .. وبمناسبة ذكر الفريق أبو العز والحديث عن الوفاء ورد الاعتبار للمهانين والمجروحين والمخدوعين هل يعلم الناس أن البكباشي عزله من قيادة الكلية الجوية لأن التقارير الأمنية (التي فبركها عامر وصدقي محمود قائد القوات الجوية وقتها) ذكرت أن الفريق مدكور أبو العز تخرج من تحت يديه عشر دفع من الطيارين كلهم يحبونه ويأتمرون بأمره ومن الخطر بقاءه مديراً للكلية الجوية فيعزله البكباشى ويتم تعيينه محافظاً لأسوان ( 1964 1967) لم يسعد الرجل بذلك بطبيعة الحال وقد كان فى عز عطاءه كقائد عسكري شديد التميز إذ كان عمره وقتها 46 عاما ولم يتصور نفسه يوما سوي قائد عسكري, وقتها لم يدرك الرجل الصالح أن ما جري ليس سوى خيرا كثيرا في صورة محنة فهزيمة كل يوم 1967حدثت وهو خارج القوات المسلحة كلها وليس القوات الجوية فقط (سيكون للحكاية ألف معنى ومعنى حين نعلم أن الفريق أبو العز توفى ليلة 27 رمضان عام 2006 في المسجد وبعد تسليمه من صلاة الفجر) وفعلا ذهب الفريق أبو العز إلي أسوان محافظاً لمدة 3 سنوات ليعود إلى قيادة القوات الجوية ثانية وكانت عودته أول قرارا للبكباشى بعد التنحي وتحديدا في 10يوينو .. سيطلب الفريق مدكور من البكباشى مطالب كان قد سبق وطلبها بعد حرب 1956 (إنشاء دشم ومخابئ للطائرات بالمطارات وتكوين شبكة دفاع جوى) بعد ضرب الطائرات المصرية على الأرض عام 56 ولم يستجب وقتها الفريق صدقي قائد القوات الجوية ولا المشير عامر القائد الأعلى الذي سلمه البكباشى جيش مصر العظيم, لكن الواقعة الأكثر دلالة على حب البكباشى لمصر والمصريين وأن أمنه الشخصي كان مقدما على الأمن القومي هو ما حدث مع الفريق مدكور أبو العز بعد عودته إلى قيادة القوات الجوية فبعد 40 يوما من الهزيمة وتحديدا في 14/15 يوليو قام بعمل خارج كل الحسابات العسكرية وحتى المعنوية إذ قام بتوجيه ضربة جوية في عمق سيناءالمحتلة بطائرات تم تجميعها في مدة وجيزة شهرواحد وبطلعات طيران منخفض وتسببت وجع حقيقي لموشى ديان الذي طلب رسميا عن طريق مجلس الأمن وقف إطلاق النار ماذا حدث مع ذلك البطل ..؟؟ صدق أو لا تصدق .. يعزله البكباشى ثانية !! تقول الحكاية أن القائد البطل ذهب لتفقد قاعدة جوية في طنطا يوم جمعة وأثناء خروجه من الصلاة ينتشر خبر وجوده بين المصلين الذين كان قد انتشر بينهم وفى كل مصر أخبار ضرباته الجوية في سيناءالمحتلة, فتهب جموع الشعب في طنطا إليه حتي أنه وصل إلي سيارته في ساعتين غارق في زحام الناس وقاموا برفع سيارته من فوق الأرض ونقل هذا المشهد بالكامل للبكباشى فيعزله فورا..!! وتصادف ذلك أيضا مع مشادة كانت قد حدثت بينه وبين المارشال الروسي المتغطرس على الجيش المهزوم زخاروف رئيس الأركان الروسي. وبدلا من أن يسعد البكباشى بالتفاف جموع الشعب حول رمز من رموز الجيش المنكسر وأيضا بصلابته وقوته أمام الروس يقوم بعزله وهو القادم فقط إلى الجيش من أربعة اشهر. أتصور أن فتح ملف (رد الاعتبار) .. ولا أدرى حقيقة من هذا الإنسان الجميل المحترم الذي نشر هذا الوصف إعلاميا في الأيام الماضية والذي يحمل بكل وضوح شهادة حقيقية بأن هناك (اعتبار مسلوب) .. أتصور أن فتح هذا الملف سيكون ذا قيمة بالغة وفائدة حقيقية ليس فقط كونه تاريخا موضوعيا ولكن وهو الأهم تاريخا أخلاقيا إذ ستتكشف لنا الحكايات كلها وتوضع على نصل سكين حاد لنعرف الشريف من الدنيء والوفي من الغادر والنبيل من المنحط ..ومن كان بطلا حقيقيا ومن كان بطلا من الكارتون . ستقول لنا ملفات (رد الاعتبار) أن الظلمات الحالكة في تاريخ البكباشى لم تكن فقط أخطاءه السياسية والقومية الضخمة فى حق الشعب والوطن والأمة كلها بل كانت في دناءته الوضيعة في الظلم والافتراء وتلفيق التهم الأخلاقية والسياسية لمن يجرؤ على الاختلاف معه وكان الإذلال والإهانة هي الحد الأدنى من ثأراته المريضة تجاه خصومه الشخصيين ورغم كل المحاولات المضنية لإخفاء بطشه وجبروته على الناس فهناك ما لا يمكن للتاريخ ومهما بلغ من تشويهه أن يمحوه وها هو (الاعتبار المسلوب).. الآن يرد إلى صاحبه في لفتة وطنية وتاريخية لا تخفى دلالتها. وأتصور أن كثير من الشباب العشريني والثلاثيني وحتى من في الأربعين سارع في لهفة إلى شبكات المعلومات والمواقع ليعرف من هو هذا الرئيس المغبون الذي ترد له القوات المسلحة اليوم اعتباره المسلوب ويرد له الوطن الكريم ذكره المغفول. سيعرف من لم يكن يعرف أن الرئيس(محمد نجيب) مولود في السودان في 19/2/1901 بالسودان لأبوين مصريين مع بعض الجينات السودانية تحملها الأم .. حفظ القرآن الكريم في صغره وانتقل مع والده الضابط بالجيش المصري إلى وادي حلفا بالسودان عام 1908 ليلتحق بالمدرسة الابتدائية ثم كلية جوردون عام1913 ليلتحق بعدها بالكلية الحربية ويتخرج في 1918 ويلتحق بذات الكتيبة المصرية التي كان يعمل بها والده ليبدأ حياته كضابط في الجيش المصري بالكتيبة 17 مشاة الحربية ثم يلتحق بالحرس الملكي عام 1923.. سيكون أول ضابط مصري يحصل على ليسانس الحقوق أثناء خدمته وذلك عام 1927 ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929.. ويحكى لنا صلاح الشاهد كبير الأمناء برئاسة الجمهورية في مذكراته الهامة (ذكرياتي في عهدين) أن محمد نجيب قدم استقالته عقب حادث 4 فبراير 1942 الذي حاصرت فيه الدبابات البريطانية القصر الملكى لإجبار الملك على اختيار مصطفى النحاس رئيسا للوزراء يستقيل احتجاجاً منه على عدم تمكنه من حماية ملكه الذي أقسم له يمين الولاء وشكره الملك ورفض الاستقالة. شارك في حرب فلسطين عام 1948 وأصيب 7 مرات فمنح نجمة فؤاد العسكرية الأولى تقديراً لشجاعته بالإضافة إلى رتبة البكوية وتم تعيينه مديرا لمدرسة الضباط .. ستصل سيرته العسكرية والأخلاقية إلى كل الأذان بين الجيش والشعب ويصبح اسمه علما على الوطنية والحرية والإخلاص بمصر كلها وليس داخل الجيش فقط , سيتعرف على عبد الحكيم عامر عن طريق خاله حيدر باشا وزير الحربية الذي سيفتح له نافذة على تنظيم سرى في الجيش سماه نجيب (الضباط الأحرار) سيقول بعدها حسيرا نادما فى آخر عمره أنهم كانوا (الضباط الأشرار)، حميمية العلاقة بين عامر والبكباشى ستأخذهما في زيارات متكررة لبيت الرجل العظيم في حلمية الزيتون تنتهي بأن يطلبوا منه أن يقود التنظيم كأحد الضباط الكبار ليحصل التنظيم على تأييد باقي الضباط بالجيش حال تحركه فوافق على الفور... وكان هذا الاختيار هو مفتاح نجاح التنظيم داخل الجيش إذ بمجرد ذكر اسمه على رأس التنظيم كان كافيا لمسارعة الضباط للانضمام إليه فسمعته ورتبته داخل الجيش تكفيك فخرا لأن تكون في حركة وطنية سرية تعمل تحت قيادته.. بعدها سيأتي الدور الأخطر وذلك في ليلة 23 يوليو إذ سيكون الرجل هو العنوان الأبرز والأشرف كقائد للحركة العسكرية التي استولت على الحكم في البلاد وليتحمل كل المسئولية العسكرية والسياسية أمام الجميع. كل هذا الذي فعله الرجل العظيم في كفة والعلاقات التنظيمية اللئيمة التي كان يتفنن فيها البكباشى في كفة أخرى. سيتنازل الملك فاروق عن العرش لوريثه ويغادر البلاد مودعا من هذا الرجل الذي قدم استقالته يوما ما لعدم قدرته على حمايته. وفي 6/18/ 1953يصبح محمد نجيب أول رئيس للبلاد بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية وفى 14/12/ 1954 وأثناء نزوله من سيارته داخل قصر عابدين فوجئ بصاغ اسمه (حسين عرفة) من البوليس الحربي ومعه ضابطان و10 جنود آخرين يحيطون به فنهرهم وصعد إلى مكتبه ليأتي له عامر ويصحبه إلى إقامته الجبرية ثلاثون عاما. ما أهمية اسم الصاغ حسين عرفة هنا ؟ حسين عرفه يا أسيادنا هو من سيذهب بعدها إلى مجلس الدولة في 1954/3/29 ليقود الاعتداء الشهير على العلامة عبد الرازق السنهورى. حكاية من حكايات الهبوط إلى الجحيم .. لئيمة وأليمة لكنها التاريخ المدنس بخطايا البكباشى ورفاقه. ومن يتخذ عند اللئام صنيعة ** تجده على أثارها متندما وأي لئام كانوا ..بل وأي ندم أيها الرفاق.