العديد من "الديسكاوية"، وهى المهنة التى باتت تمثل مطبخ العمل الصحفى، يشكلون طابورًا خامسًا يستطيع بدهاء طعن الثورة فى ظهرها، وتمرير السم فى العسل، وتضليل الرأى العام، وإثارة الفزاعة تلو الأخرى، وللعلم يتقاضون فى مقابل ذلك مرتبات كبيرة خاصة فى صحف الفلول والبيزنس، ولجنة السياسات. طيلة 14 عامًا قضيتها فى العمل الصحفى منها عدة سنوات فى قسم "الديسك" بصحف ومواقع إلكترونية مختلفة الأيديولوجيات والتوجهات، ومصادر التمويل، رأيت العجب العجاب فى المطبخ الصحفى المعنى بالدرجة الأولى بتنفيذ مهمة إضافة البهارات على المادة الصحفية، وما يعرف ب"تسخين" الخبر، وافتعال الإثارة ضمن فحواه. أغلب مدارس "الديسك" التى سيطرت على الصحافة المصرية خلال السنوات الماضية تفتقد الحيدة والموضوعية، وكل منها "بيلون" الخبر حسب توجهه السياسى، ويحذف منه ما يتعارض معه، وإذا كان يمتلك بعض المهنية والمصداقية فإنه يقوم ب"خسف" ما يخالفه داخل متن الموضوع دون إبرازه، وتصدير ما يريده فى مانشيت ومقدمة الخبر أو التقرير أو الحوار وغير ذلك من فنون العمل الصحفى. وللأمانة فإن "ديسك" الفلول يمتلكون براعة كبيرة فى توجيه وتضليل الرأى العام، وصاروا يحققون انفرادات مضروبة، وأزعم أنهم سبقوا دولا كبرى لها باع فى الصحافة، ومدارس أوروبية وأمريكية فى هذا المضمار، وقد وجدت خلال اطلاعى على كواليس هذا المطبخ من يسطر المانشيت، أو عنوان الخبر قبل أن يكون لديه خبر من الأساس، ويتم تكليف المحرر ب"تظبيط" المادة فى هذا أو ذاك الاتجاه. وأزيد عن ذلك بالقول إن سياسة "الضرب" باتت نهجا متبعا فى الصحافة المصرية وخاصة صحف الفلول، ويحمل ممول الصحيفة أو رئيس تحريرها شفرة القيام بذلك من خلال توجيه معاونيه وماسحى الجوخ، إلى مهاجمة فلان، أو توريط تيار ما فى معركة مشبوهة، أو تشويه برلمان أو مرشح من خلال أكذوبة، أو فبركة خبر، أو تصريح تم اقتطاعه من سياقه. والصحف القومية لها باع فى ذلك، خذ على سبيل المثال "بوابة الأهرام" اختلقت ما يسمى بقانون مضاجعة الموتى أو جماع الوداع لتشويه صورة البرلمان، وانساق خلفها العديد من مواقع الفلول والليبراليين ال"نص كم"، أما الأخبار فقد تصدرت فى عدد سابق بمانشيت "الشاطر يتوعد بالكفاح المسلح إذا ترشح سليمان"، وعند قراءة متن الخبر لا تجد فقرة واحدة أو كلمة تدل على ذلك. أما المصرى اليوم فقد قدمت نهجًا جديدًا فى الديسك الفلولى من عينة "مصر بلا سولار"، و"عاصمة بلا شرطة"، و"مصر بلا غاز"، وهى عينة من العناوين التى تهدف إلى إثارة الفزع وترويع المصريين لخدمة توجهات رجال الأعمال الممولين للصحيفة دون أى مهنية فى تعميم أحكام بهذه الخطورة. ويتنافس فى المضمار حديثًا ديسك فلول "الوطن"، والذى كتب ليلة انتخابات الرئاسة "إقبال كثيف على سحب الأموال من البنوك" دون أى مصداقية للخبر على أرض الواقع، وعنونت صدر صفحتها الأولى "الدين يختار الرئيس"، و"مصر بين الشيخ والجنرال"، لتفزيع الناخبين من المرشح الإسلامى، مع التركيز على التجاوزات وإبرازها، و"خسف" أية شواهد إيجابية فى العرس الانتخابى. العينات كثيرة.. الدستور تقول "شفيق.. أردوغان مصر القادم"، و"الفجر" تحذر من بحور دم إذا أجريت الانتخابات"، و"اليوم السابع" يحاور عمر سليمان، ويصف شفيق برجل الدولة المدنية، وغيرها من العناوين التى تتطلب دراسة علمية تفند تكتيكات ديسك الفلول، وطبخة الأخبار المسمومة، التى تتطلب من القارئ تدقيقا وقراءة متأنية لما بين السطور، ومراجعة أكثر من صحيفة وموقع لتصفح زوايا الخبر المنشور، والبحث عن المصادر الموثوق فيها.