اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي قبل يومين وهي تتداول مقطعا لإعلامي مصري شهير من أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو يندد بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأنه اعتقل القيادي التركي مصطفى كمال أتاتورك ، واعتبروه مؤشرا على سيادة الجهل في الإعلام المصري ، الذي لا يدرك أحد "نجومه" الحاليين أن أتاتورك قد مات قبل أن يولد أردوغان ، والحقيقة أن الواقعة ليست خطأ عابرا أو حالة فردية كما يقال ، وإنما هي حالة من حالات أو سياق عام ينتظم الإعلام المصري الآن و"نجومه" على الشاشات أو على صفحات الصحف ، مما يهيج أعمق مشاعر الألم على إعلام وطن كان رائدا لعالمه العربي كله ، وقدوة يحلم بالتأسي بها الآخرون ، حتى وصل به الحال إلى هذا الأمر . الإعلام المصري في أغلبه الآن ، مشاهد ومقروء ، يتقاسم النفوذ فيه جهتان لا ثالث لهما ، الإمارات وأجهزة سيادية ، سيطرة وتمويلا ورعاية ، وقد وقع هذا السباق بعد وصول الإخوان إلى رأس السلطة في مصر مما أثار قلقا واسعا ، داخل مصر وخارجها ، وكانت مساحة الغضب من الإخوان وأدائهم السياسي ومحاولتهم الهيمنة التدريجية على مفاتيح السلطة في مصر سببا في اجتماع أطراف متناقضة في هذا المشهد ضدهم ، فقد كان هناك نشطاء ثورة يناير ورموزها مع الإعلاميين المؤمنين بثورة يناير مع الانتهازيين مع راكبي الموجة مع غيرهم في موجة غضب وتحدي لنظام الإخوان ، فلما سقط وانتهى أمره ، بدأ الانفصال يظهر في مستقبل البلد وإعلامها ، وكانت حسابات الجناحين : الإماراتي والسيادي ، تختلف جذريا عن حسابات "الأبرياء" من إعلاميين ثورة يناير أو رموزها ، لأن حسابات الجناحين لم تكن فقط ضد الإخوان وإنما ضد الربيع العربي بكامله ، وبالتالي تم تدريجيا الخلاص من هؤلاء الإعلاميين المعبرين عن روح ثورة يناير وأشواقها وشراء أو تطويع القنوات والصحف التي تمثل هذا الاتجاه ، بعض هؤلاء الإعلاميين هاجر خارج مصر وبعضهم انطوى على نفسه في الداخل ، وتتفق أو تختلف مع هؤلاء ، إلا أنك لا يمكنك أن تنفي أنهم كانوا الرموز الإعلامية الأكثر ثقافة وقدرة ومهنية ، فلما ذهب هؤلاء قفز على الساحة تلك النماذج المتواضعة والبائسة والتي ولدت في الفراغ والفقر الثقافي والإعلامي ، وهي التي شوهت صورة الإعلام المصري وأهانته وحطت من شأنه أمام العالم الخارجي ، متسترة بالولاء للسيسي أو العداء للإخوان ومرسي . مشكلة انتشار مناخ الانحطاط في الإعلام أنه يتحول إلى عدوى ، خاصة وأنه يبعث برسالة سلبية إلى بقية الإعلاميين : من أراد الرضى والوصول والبغددة والأرصدة وحماية الظهر فهذا هو الطريق ، كما أن سوق المزايدات في النفاق السياسي يجبر كثيرين على أن ينخرطوا فيه ولو بغير اقتناع حتى لا يصنفون بأنهم "مترددون" وربما أعداء ، والأمر هنا لا يتوقف عند إعلان بعضهم بكل ثقة وفخر بأن البحرية المصرية قامت باعتقال قائد الأسطول السادس الأمريكي وتحتجزه رهن التحقيق في القاهرة ، وإنما يصل إلى أن تقرأ مقالا في صحيفة قومية مرموقة ، ولكاتب كبير السن والمقام ، كان نقيبا للصحفيين ويرأس المجلس الأعلى للإعلام في مصر المناط به مراقبة الأداء الإعلامي وأخلاقياته ، فينشر مقالا بعنوان : "طز في قطر" ! ، والمشكلة هنا ليست في قطر أو غير قطر ، وإنما في تلك اللغة السوقية التي كان من المحال أن تمر عبر صفحات الأهرام في يوم من الأيام ، أو أن يتفوه بها نقيب الصحفيين أو رئيس المجلس الأعلى للإعلام . ما يقرأه الناس اليوم على صفحات الصحف في مصر ، وما يشاهدونه في القنوات الفضائية المصرية ، يخرج عن نطاق العقل أحيانا بمسافات بعيدة ، ومصر وإعلامها لم يكن بمثل هذا البؤس في يوم من الأيام ، وإذا كانت تلك الصورة هي انعكاس لفكر ورؤى أصحاب القرار في البلد فإن ما لاشك فيه أننا نتجه إلى كارثة ، وأن مصر دخلت في النفق المظلم بالفعل . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1