تواجه جبهة الإنقاذ في تونس، التي تم تشكيلها لمواجهة تحالف الرئيس باجي السبسي، وحركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، أزمة داخلية كبيرة، قد تؤدي إلى زوالها. الخلافات السياسية والحرب التي أعلنها رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، على الفساد والتي طالت أحد رموز جبهة الإنقاذ- باتت تهدد وحدتها رغم مرور 3 أشهر فقط على تاريخ إنشائها، وهو 2 شهر أبريل 2017. وضمت الجبهة من بين أعضائها المؤسسين بعض الشخصيات السياسية المغضوب عليها في حزب نداء تونس الحاكم وأخرى مستقلة إضافة إلى قوى حزبية، معلنةً نفسها بديلاً سياسياً ومنافساً قوياً لتحالف حركة نداء تونس العلمانية والنهضة الإسلامية لإعادة التوازن للمشهد السياسي بتونس ورفع الفيتو في وجه ما سمته "التوافق المغشوش" بين الدساترة (بقايا حزب الرئيس المخلوع بن علي، التجمع الدستوري) والإسلاميين ومحاربة المحسوبية والولاء الحزبي والعائلي، في إشارة إلى نجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. ووعدت الجبهة لدى انطلاقها أنصارها بعدم وضع يدها بيد حركة النهضة الإسلامية، وبالاستعداد للدخول بقوة في الانتخابات البلدية والمحلية التي ستشهدها البلاد في ديسمبر 2017. لكن هذه الجبهة وجدت نفسها اليوم تواجه أزمة داخلية بين مكوناتها السياسية والحزبية تهدد باستمرارها، وزاد الطين بلة ملاحقات قضائية وتجميد أرصدة وأموال واتهامات بالفساد وغسل الأموال تطول أبرز قيادييها. لماذا تأسست جبهة الإنقاذ؟ خلال مؤتمرها التأسيسي، تعهد الأمين العام ل"حركة مشروع تونس" محسن مرزوق وأحد أبرز مؤسسيها، بأن تكون هذه الجبهة سداً منيعاً ضد كل من يحاول تغيير النمط الاجتماعي الحداثي بتونس،، في إشارة ضمنية أخرى إلى حركة النهضة الإسلامية التي طالما اعتبرها خصماً أيديولوجياً لدوداً. بدوره، شنَّ رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، خلال كلمة ألقاها في المؤتمر التأسيسي ل"الجبهة"، هجوماً لاذعاً على حركة النهضة. وأكد أن تمزيقه "وثيقة قرطاج"، التي بادر بها رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ووقَّعتها أحزاب ومنظمات تونسية وانبثقت عنها حكومة يوسف الشاهد الحالية- هو أقل عمل ممكن، متهماً أصحاب الفكرة ب"التحايل على التونسيين وعلى الدستور وبنقل السلطة للبيت العائلي لرئيس الدولة ولرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي". الرياحي وصف صراحةً، حركة النهضة ب"اليمين المتطرف"، متهماً إياها بممارسة "إرهاب الدولة وإارهاب الدين الداعشي" منذ توليها الحكم في 2012، حسب تعبيره. انشقاقات ومشاكل في صلب الجبهة خلال أقل من 4 أشهر بعد انعقاد المؤتمر التأسيسي ل"جبهة الإنقاذ، بدأت بوادر الانشقاقات والخلافات؛ بسبب تضارب المصالح، بين أبرز قياداتها تدب في صلب هذا الائتلاف الحزبي المعارض الذي لم يكن له أي حضور سياسي فعال في الساحة. فقد أعلن رئيس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، الذي يعتبره كثيرون عرّابها ومهندسها، في يونيو 2017، عن قرار تجميد عضوية حزبه من هذه الجبهة، في بلاغ نُشر لحركة مشروع تونس. وقد عزا مراقبون هذا الانسحاب إلى الضربة التي وُصفت ب"القاصمة" ل"جبهة الانقاذ" على أثر صدور قرار قضائي بتجميد أموال سليم الرياحي رئيس "الاتحاد الوطني الحر" وأحد المشاركين والممولين الرئيسين ل"جبهة الإنقاذ"، في إطار قضية منشورة بحقه وجهت له خلالها تهمة غسل الأموال، في حين يقول قياديون بحزب الرياحي إن التهم الموجهة له كيدية بتوجيه من رئيس الحكومة يوسف الشاهد. السياسي المستقل محمود البارودي والذي كان قد انضم إلى "جبهة الإنقاذ" ثم أعلن منذ شهرين تجميد عضويته، اعتبر أن جبهة الإنقاذ "انتهت سياسياً"، وفق تعبيره. وحول دوافع قرار تجميد عضويته، أكد أن الجبهة سوقت لنفسها في البداية بكونها بديلاً لتحالف "النهضة" و"النداء" في الساحة السياسية ومنافساً لها باعتبارها تضم مكونات سياسية حزبية تجمع شمل العائلة الديمقراطية الوسطية، مستدركاً: "ما راعنا، هو ظهور الخلافات بين الأطراف المكونة لها وحيادها عن المبادئ التي تأسست من أجلها، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات البلدية القادمة وتموضع الجبهة فيها"، وفق "هاف بوست عربي". ولفت كذلك إلى صعوبة اتخاذ رأي موحد داخل الجبهة إزاء الحرب التي أعلنها رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، على الفساد، قائلاً: "لقد رأى بعضنا، ومنهم أنا شخصياً وحزب حركة مشروع تونس، أنه من الواجب إعلان هدنة سياسية مع الحكومة باعتبارها بدأت فعلياً في الحرب على الفاسدين والتي تعدّ نقطة من بين النقاط التي تأسست عليها (جبهة الإنقاذ)، لكن فوجئنا برفض بعضهم للمسألة وغياب موقف واضح منها". وبخصوص موقفه من تجميد أموال أحد مؤسسي هذا الائتلاف المعارض (سليم الرياحي)، شدد الأخير على أن القرار قضائي لا يمكن التعليق عليه، معرباً عن أمله ألا تكون الحرب على الفساد التي شنها رئيس الحكومة انتقائية. مساعٍ فاشلة لضرب توافق "النهضة" و"النداء" العضو في كتلة حزب نداء تونس الحاكم في البرلمان، الطيب المدني، اعتبر أن "جبهة الإنقاذ" تحمل في داخلها المتناقضات مثلما تحمل كذلك أسباب فشلها. وقال : "أنا شخصياً كنت كتبت تدوينة على فيسبوك منذ أشهر، توقعت خلالها عدم استمرار هذه الجبهة في النشاط السياسي؛ نظراً إلى طبيعة القيادات المنضوية تحتها والمهووسة بحب السلطة والوصول لمنصب رئاسة الجمهورية والتفرد بالرأي، لا سيما محسن مرزوق وسليم الرياحي والمستشار السابق لرئيس الدولة وعضو الهيئة التسييرية لنداء تونس (منشقة عن شق "نداء تونس" الذي يتزعمه نجل الرئيس الباجي قائد السبسي)". المدني، اعتبر أن الهدف الذي قامت من أجله هذه الجبهة يتلخص أساساً في ضرب "نداء تونس" و"النهضة" ونسْف هذا التحالف والتوافق الذي يجمعهما من أجل مصلحة البلاد، وفق قوله. وختم قائلاً: "أعتبر أن محسن مرزوق الذي دخل في الجبهة بكل ثقله ثم انسحب منها- شخصية فاشلة بكل المقاييس، وقد اختبرناه سابقاً في (نداء تونس) ووجدنا شخصاً أنانياً تنكَّر لأقرب أصدقائه". موقف "الوطني الحر" مما يحدث ب"جبهة الإنقاذ" وحول مستقبل "جبهة الإنقاذ" في ظل الأزمة الداخلية التي تعصف بأركانها وتجميد عضوية بعض أعضائها طوعاً- اعتبرت يسرا الميلي، عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الوطني الحر الذي يتزعمه سليم الرياحي، أن الجبهة لا تنحصر فقط في حزب محسن مرزوق ولا في حزب الرياحي؛ بل تجمع مكونات حزبية أخرى ووجوهاً سياسية "لها وزنها السياسي والبرلماني"، على حد تعبيرها. الميلي، اعتبرت أن قرار تجميد الأمين العام لحركة مشروع تونس، محسن مرزوق، عضوية حزبه في الجبهة "كان متوقعاً وغير مفاجئ"، مشددة على أنه جاء في أعقاب ما سمته "جملة من المراوغات والسلوكيات التي أكدت لنا -بما لا يدعو للشك- عدم جدية هذا الشخص في العمل من أجل الأهداف التي أُسست لأجلها الجبهة، ابتداء من غيابه المتكرر وعدم مشاركته في القرارات التي تأخذها الجبهة، سواء ضد الحكومة أو معها". وأضافت: "الأمر الأهم في اعتقادنا والذي كان سبباً في غضب مرزوق من الجبهة، هو توجيه قياداتها انتقاداً له بسبب زيارته المريبة إلى ليبيا ولقائه المشير خليفة حفتر، قائد ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي، حيث أوهم الليبيين هناك أنه مبعوث من الرئيس التونسي وكانت تلك فضيحة بكل المقاييس". الميلي، اعتبرت أن محسن مرزوق وحزبه أخذا موقفاً أحادي الجانب من أزمة الدول الخليجية وانحازا إلى الإمارات والسعودية ضد قطر، وهو موقف لا يعكس الموقف السياسي العام الذي تبنته "جبهة الإنقاذ" وقرارها بالتزام الحياد في إطار التناغم مع سياسة الدولة التونسية. "مرزوق يطعن الرياحي في الظهر" وحول موقف الاتحاد الوطني الحر والجبهة من قضية سليم الرياحي وتجميد أمواله، اعتبرت الميلي أن التهم الموجهة للرياحي كيدية وتفوح منها رائحة تصفية الحسابات السياسية، معتبرة أن ملف الرياحي في لجنة التحاليل المالية موجود منذ 2012 وحرص الرياحي على تقديم ما يفيد بنظافة مصادر أمواله. كما قالت الميلي إن أحد المحامين في حركة مشروع تونس تقدم بشكوى وصفتها ب"المزورة" ضد الرياحي، وهو ما اعتبرته الجبهة طعنة في الظهر وخيانة سياسية من محسن مرزوق بحق زميله في "جبهة الإنقاذ" لتحقيق أغراض سياسية، حسب قولها . محللون: لهذه الأسباب ستفشل الجبهة وحول تقييمه للمشهد السياسي في تونس وما يحدث من صراعات داخل "جبهة الإنقاذ"، اعتبر المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، أن تشكيل هذا الائتلاف المعارض بشكل سريع وطارئ من مجموعات سياسية لا يجمعها لا تاريخ ولا نضال ولا مبادئ ولا استراتيجية عمل مشتركة باستثناء توحيد موقفها ضد حركة النهضة من ناحية وتوجهها لضرب التنسيق الموجود بين ما تبقى من "نداء تونس" و"النهضة"- أسهم في التعجيل بفشلها . الحناشي اعتبر أن صاحب الفكرة الرئيسة لتشكيل هذه الجبهة، محسن مرزوق، اكتشف أن الأحزاب والقيادات التي دخل في ائتلاف معها لم تكن مؤثرة على الساحة الحزبية ولا تحظى بثقل سياسي وشعبي؛ الأمر الذي جعله يعيد حساباته مع "جبهة الإنقاذ" والتوجه للقيام بتحالفات جديدة مع أحزاب أخرى، "لا مغازلة خصم الأمس رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لا سيما بعد أن أظهرت آخر استطلاعات الرأي صعود نجمه وشعبيته سياسياً بعد إعلانه حملة مكافحة الفساد"، وفق قوله. لماذا تفشل تجارب التحالفات في تونس؟ وغير بعيد عن تحليل الحناشي لما يحدث داخل "جبهة الإنقاذ"، رأى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن مؤشرات كثيرة كانت تنبئ بفشل هذا التحالف السياسي بين الأحزاب. وقال: "عندما تأسست (جبهة الإنقاذ) تساءلت -كما تساءل آخرون- عن قدرتها على الاستمرار، وذلك انطلاقاً من قناعتي بأن تجربة التحالفات وبناء الجبهات بين الأحزاب ما بعد الثورة كانت دائماً تؤدي إلى نكسات؛ لأن قدرة السياسيين على العمل المشترك ضعيفة ومحدودة". الجورشي، ذهب لاعتبار أن "جبهة الإنقاذ" تكوَّنت أساساً من أجل مواجهة حركة النهضة وإضعافها، مشدداً على أن بناء الجبهات من أجل مواجهة خصم عادةً ما يكون مصيرها الفشل. وخلص إلى أن الاستحقاقات الانتخابية القادمة في تونس، ولا سيما الانتخابات البلدية، ستخلط الأوراق السياسية والحزبية وستفرض مشهداً سياسياً وتحالفات قد تفاجئ الكثيرين.