قانون الهيئة الوطنية للانتخابات الذي أقره البرلمان يلغي وجوب الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات اعتبارا من 17 يناير 2024، ولولا أن دستور 2014 أقر أن تجري جميع الانتخابات خلال السنوات العشر التالية للعمل بالدستور تحت إشراف قضائي كامل، لربما تم التعجيل بالإلغاء. لا أعرف كيف يمكن أن يصدق العالم نتيجة أي انتخابات قادمة بدون إشراف قضائي كامل، وكيف سنثق أن السلطة التنفيذية لم تتدخل وتضع بصمتها، وهو ما تكرر كثيرا في السابق. إذا كانت هذه عورة في قانون الهيئة الجديدة، فإن العورة الأكبر هي تلك التي تضمنها الدستور بتحديد مدة العشر سنوات دون أي تأكيد بوجوب استمرار الإشراف القضائي، ومن ثم استند واضعو القانون على ذلك فاستبعدته المادة "34" ، ويجوز للهيئة الوطنية للانتخابات الاستعانة بأعضاء الجهات والهيئات القضائية بعد ذلك التاريخ، أي أنه لم يعد ملزما. الأمر هنا ليس فيه شبهة محاباة للسلطة التنفيذية الحالية، فالانتخابات الرئاسية القادمة 2018 ستجري تحت إشراف قضائي كامل، وكذلك اللاحقة لها عام 2022 والتي لن يكون الرئيس السيسي بأي حال طرفا متنافسا فيها. لكن كان يجب الإبقاء على الضمانة القضائية المعتمدة عالميا، خصوصا أننا نتكلم عن ما بعد 17 يناير 2024، أي لن يستفيد منه الموجودون في مواقع المسؤولية حاليا. لماذا لم يوفروا هذه الميزة للأجيال القادمة، بل وأجازوا الاستعانة بالعاملين المدنيين بالدولة مع أنهم بداهة تابعون للسلطة التنفيذية، يأخذون رواتبهم وترقياتهم منها. النص على أن الهيئة مستقلة لها شخصية اعتبارية واستقلال فني ومالي وإداري، ينال منه أو قل يشكك فيه، مشاركة العاملين في الجهاز الإداري للدولة في الإشراف على عملية الاقتراع والفرز. لماذا التراجع عن مكاسب تحققت لصالح العدالة والنزاهة.. ولماذا يكون البرلمان هو المسؤول عن ذلك التراجع بدلا من أن يكون حاميا ومراقبا ومشرعا لتلك المكاسب، فهو – أو هكذا نفترض – ممثلا للشعب ونائبا عنه. للأسف البلد ترجع للخلف بسبب العقلية المسيطرة التي تتهرب من التزامات الديمقراطية وضماناتها وأصولها. [email protected]