أصبحت ظاهرة التضخم من أكثر الظواهر الاقتصادية والنقدية ارتباطا بالاقتصاديات المعاصرة سواء المتقدمة أو النامية منها, وبغض النظر عن درجة نمو ومستوى تطور هذه الاقتصاديات. أن التضخم النقدي أحد الأمراض الاقتصاديّة التي تنهش جسد الاقتصاد القوميّ وتُحدث فيه اختلالات سيئة. لان التضخّم ينشأ نتيجة عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار، ونتيجة لضعف الطاقات الإنتاجية في الاقتصاد القوميّ، ويترتب على هذه الاختلالات ارتفاع متواصل ومتتالٍ في الأسعار. إن الاقتصاديّين الكلاسيكيين الذين يُرجعون التضخّمَ النقديّ أساسًا إلى ظاهرة نقديّة (تتعلق بالنقود)، تتمثل في ارتفاع معدل الطلب كنتيجة لزيادة كمية النقود في الاقتصاد. يمثل التضخّم النقديّ أحد الأمراض الاقتصاديّة والاجتماعية التي تعبث في جسد الاقتصاد القوميّ وتُحدث فيه اختلالات سيئة، وقد انتشر هذا المرض في عدد كبير من دول العالم، واشتدت الموجات التضخّمية، خاصة في السبعينيات من هذا القرن، حتى تحولت إلى ظاهرة عالمية تجندت لدراستها العقول الاقتصاديّة؛ بغية الوصول إلى حلول لإيقاف هذا الخطر الزاحف وتلافي آثاره السيئة. ويرجع التضخّم في جوهره إلى اضطراب قُوَى الإنتاج وعدم كفايتها في الوفاء بحاجات الأفراد المتزايدة. أو بعبارة أدق: ينشأ التضخّم نتيجة عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار، ونتيجة لضعف الطاقات الإنتاجية في الاقتصاد القوميّ. ويترتب على هذه الاختلالات ارتفاع متواصل في الأسعار، فيؤدي إلى ارتفاع الأجور وأثمان العوامل الإنتاجية، وسائر تكاليف الإنتاج، يليه ارتفاع متتالٍ في الأسعار، وهكذا. السيطرة على توقعات الاستهلاك لصالح الإنفاق الاستثماري: ومن ناحية أخرى يكون للتطبيق الأمين لفريضة الزكاة أثر بعيد على عنصر التوقعات الذي اهتمت به المدرسة السويدية، حيث تسهم هذه التوقعات في تخفيف الاختلال بين الطلب الكليّ والعرض الكليّ، من خلال التقريب بين خطط الادخار وخطط الاستثمار. وذلك من خلال تحسين توقعات أصحاب رؤوس الأموال إلى درجة بعيدة. يزيد من اتساع نطاق النشاط الاستثماريّ وتنوّعه، حيث يكون للاستثمار الخاص دور هام في توفير الاحتياجات الأساسية لكافة أفراد المجتمع مع تزايدهم، والاستمرار في الإنفاق الاستثماريّ طالما كان المعدل الحَدِّيّ للعائد 2.5% (ربع العشر) حتى لو كان المعدل الحَدِّيّ المتوقَّع للربح أقلَّ من نسبة الزكاة المقرَّرة على الأموال القابلة للنماء (2.5%)، طالما كان هذا المعدل أكبر من الصفر. ويرجع ذلك إلى أن الاختيار الممكن أمام المستثمرين في هذه الحالة هو بين استثمار أموالهم أو اكتنازها، وليس الاختيار بين استثمارات متعددة؛ ونظرًا لأن الاكتناز اختيار غير مطروح على المسلم، فإنه أفضل للمسلمين أن يستمروا في الاستثمار من ألاَّ يستثمروا على الإطلاق؛ أن البعض الآخر جعل للتوقعات أهمية خاصة في تحديد العلاقة بين الطلب والعرض. والتوقعات تعني العلاقة بين خطط الاستثمار والادخار. كما أشارت إلى أن بعض الاقتصاديّين يرون في التضخّم ظاهرة اقتصاديّة واجتماعية ترجع إلى الاختلالات الهيكليّة (تخلف الوضع الإنتاجي العام) الموجودة بصفة خاصة في الاقتصاديّات المختلفة I-مفهوم التضخم, أنواعه وأسبابه: أ. مفهوم التضخم: رغم التعريفات الكثيرة التي عرف بها التضخم إلا أن مفهومه واحد, فهو اختلال التوازن بين العرض والطلب الإجماليين أما رفعت المحجوب فقد عرفه على انه:" تلك الحالة التي تنتج عن ارتفاع الطلب الفعلي عن المستوى اللازم لتحقيق التشغيل الكامل وهو يترجم بارتفاع الأثمان" . كما يعرف أيضا على أنه." الارتفاع العام في أسعار السلع والخدمات معبرا عنها بالنقود الورقية, ويمكن إرجاع ذلك إلى إصدار النقود الورقية بكميات تفوق بكثير متطلبات الاقتصاد, أو زيادة كمية النقود بمعدلات تفوق بكثير معدلات الزيادة في الإنتاج, وهذا يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود الورقية نتيجة الارتفاع في الأسعار . ب. أنواع التضخم: للتضخم أنواع عديدة باعتباره ظاهرة اقتصادية واجتماعية مركبة ومعقدة نذكر منها: •تضخم الطلب: باعتباره الزيادة الخاصة للطلب على العرض الثابت أو نقص العرض الكلي على الثابت، أو زيادة الطلب بحجم يفوق الزيادة في العرض، أو نقص في حجم العرض بقدر يزيد عن حجم نقص الطلب ، وهو ما يؤدي بالأسعار إلى التزايد المستمر. •التضخم المكبوت: وهو نوع ناتج عن الدور التدخلي للدولة عن طريق القوانين التشريعية، حيث تقوم الدولة بوضع حد لتزايد الأسعار أو تناقصها عن طريق التحكم في نظام الأسعار. •التضخم الكامن: وهذا نوع خفي إذ تثبت التجارب وجود حالات تضخمية بالرغم من الثبات النظري في الأسعار، وذلك نتيجة لتطبيق سياسات تقتضي تجميد الأسعار بهدف الحد من ارتفاعها، لكن هذا الثبات النظري في الأسعار يخفي وراءه إمكانية انطلاق الأسعار نحو الارتفاع بمجرد أن يتم التراجع عن هذه السياسات، لهذا يعتقد الكثير من الاقتصاديين بأن ثبات الأسعار المؤقت لا يمكن أن ينبغي دائما وجود بوادر تضخمية . •التضخم الظاهر: لا تقوم الدولة في هذا النوع من التضخم بأي دور تدخلي حيث ترتفع الأسعار بشكل مستمر حتى يتحقق التعادل بين العرض الكلي والطلب الكلي . ج. أسباب التضخم: •التضخم الناشئ عن زيادة الطلب: إن كل ارتفاع وتزايد ملحوظ في الطلب داخل السوق المحلية للسلع والخدمات، يمكن أن يكون له تأثير على الأسعار، إذا ما كانت الآلة الإنتاجية غير قادرة على تلبية هذا الطلب وبهذا ترتفع الأسعار، وهذا الارتفاع يؤدي بدوره إلى ارتفاع في الأجور نظرا لتدهور القدرة الشرائية للمواطنين مما يشكل عبئا على المؤسسات التي قيمة زائدة من الأجور تدمجها مرة أخرى في المنتجات، وهكذا ترتفع أسعار السلع والمنتجات وتبدأ ظاهرة التضخم في التعميم. •ارتفاع تكلفة الإنتاج: إن ارتفاع تكلفة الإنتاج يمكنه أو يؤثر مباشرة على أسعار المنتجات لمعروضة في السوق المحلية، ويمكن إرجاع تكاليف الإنتاج إلى تلف أدوات الإنتاج نظرا لنقص الصيانة وتلف المخزون من المواد الأولية والمنتجات نصف المصنعة. •الإصدار النقدي غير المراقب: هو عبارة عن الزيادة في حجم النقود المتداولة وقد يأخذ عدة أشكال، وتأثر الكتلة النقدية مباشرة على الأسعار والإنتاج ومراقبتها تفرض أساس عن طريق سياسة تعديل للقروض التي تمنحها المؤسسات المالية للمؤسسات والتي تشكل الحصة المعتبرة من الكتلة النقدية . أن التضخم الطفيف والمعتدل الذي ينشأ عامةً في أُولَى مراحل التنمية لا يمثل خطرًا كبيرًا، طالما اتبَعَت السياسة الاقتصادية السعرية والتوزيعية الرشيدة، التي تخفف منه، وتعمل على مكافحته. وتتمثل المعالجة الجذرية للتضخم في هذه الحالة في الإسراع بمعدلات النموِّ الاقتصادي عن طريق سياسة حازمة ورشيدة لتوزيع الدخل القومي فيما بين الاستهلاك والاستثمار، سياسة تهدِف - فيما تهدف - إلى الاستغلال الأمثل لموارد المجتمع، وتشغيل طاقاته الإنتاجية عند أعلى المستويات. ومثل هذه الصناعة لا يمكن تحقيقها إلا إذا قامت الدولة بالتضييق على استهلاك الطبقات والشرائح الغنية، وزيادة الضرائب المفروضة عليها، واستخدام الفائض الناجم عن ذلك في زيادة معدلات الاستثمار، ومن ثَمَّ زيادة كفاءة الاقتصاد القوميّ في التنمية المستمرة لعرض السلع والخدمات حيث تضمن عدمَ تركُّز ثمار التنمية في أيدي قلة من أفراد المجتمع في زيادة استهلاكهم إلى مستويات الترف والبذخ، فتعيد توزيع جزء مهمّ من هذه الدخول على قاعدة عريضة من أفراد المجتمع، ينفقونها على استهلاك سلع وخدمات كفائية ضرورية، تمثل أساس القاعدة الإنتاجية للعملية التنموية وكذلك يؤدي إلى توجيه رؤوس الأموال إلى الاستثمارات ذات الطلب الفعال المتزايد؛ تحقيقًا لمزيد من الأرباح، التي يتم إخراج الزكاة منها؛ مما يضمن تزايد التدفقات السلعية لهذه القطاعات المنتجة للاحتياجات الأساسية بصفة خاصة، في أقصر فترة مكنة، ويسهم في تضييق الفجوة التضخمية، والتخفيف من الاختلالات الهيكلية المترتبة على إنشاء التجهيزات الأساسية في الاقتصاد. وفي ذلك تقليل لنطاق التضخم، وتقييد له من التصاعد فترة بعد أخرى.