يُروج اليهودُ لبعض المزاعم التي تربط بين "المسجد الأقصى" و"هيكل أورشليم" الذى أقامه الملك سليمان حسب رواية التوراة، غير أن المصادر الدينية والتاريخية تدحض ذلك الزعم بشدة، وتؤكد أنه لا توجد ثمة علاقة بينهما. ولسنا نشك أن فكرة الربط بين "الهيكل اليهودى" و"المسجد الأقصى" والقول بأن بانيهما النبى سليمان هو طرح يهودي فاسد يهدف في الأصل لإنكار حقوق العرب فى القدس، والتأكيد على يهوديتها وأنها عاصمة الشعب اليهودى. ومن خلال تصور موضوعيٍ بعيدٍ عن المُزايدة، فإن البانى الحقيقى ل"المسجد الأقصى" والذى تؤكده أكثر المصادر التاريخية والدينية هو إبراهيم عليه السلام، وذلك قبل أكثر من 700 سنة من زمان النبى سليمان. ف"الحديث الصحيح" الذي يرويه البخارى (رقم 3366)، يقول: "عن أبى ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أى مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أى؟ قال :المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة". ولا خلاف على أن النبى إبراهيم هو الذى بنى "البيت الحرام" بمكه، أو أنه أعاد بناءه بعد الطوفان. وساعده ابنه "إسماعيل" عليه السلام، وكان وقتئذ شابًا فى مُقتبل العمر، ويُعتقد أن إسماعيل كان فى "العقد الثاني" أو "الثالث" من عمره آنذاك. وتم البناء إبان إحدى زيارات النبى إبراهيم لزوجه هاجر وابنهما إسماعيل فى مكه، بينما كان نبى الله يعيش مع سارة وابنها إسحاق عليه السلام فى فلسطين. وكان إبراهيم يزورهاجر وابنها بين وقت وآخر (البخارى/3365). يقول تعالى: "وإذ يرفعُ إبراهيمُ القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تَقبل منا إنك أنت السميع العليم" (البقرة:127). ويقول تعالى: "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكه مباركًا وهدى للعالمين" (آل عمران:9). وفيما يرى أكثر المؤرخين أن النبى إبراهيم عاش إبان القرن 19 ق.م (حوالي سنة 1850 ق.م)، وأنه أنجب بكره إسماعيل وكان عمره 86 سنة، وهو ما يتوافق أيضًا مع "الرواية التوراتية". أى أن بناء "البيت الحرام" يؤرخ إلى منتصف القرن 18 ق.م (حوالى سنة 1740 ق.م). وحسب (رواية البخارى)، فإن المسجد الأقصى بُنى بعد "المسجد الحرام" ب"أربعين سنة"، وهو ما يعنى أن "المسجد الأقصى" أُقيم مع بدايات القرن 18 ق.م، (حوالى سنة 1700 ق.م)، أما النبى سليمان، أو الملك سليمان حسب التوراة، فإن المعروف تاريخيًا أنه حكم في الفترة من (970 – 930 ق.م)، أى بعد أكثر من سبعة قرون من بناء "المسجد الأقصى"، وهو ما يؤكد أنه لا علاقة البتة بينهما. أما إبراهيم عليه السلام، فإنه مات وعمره مائتى سنة، قال ابن الأثير: "ومات إبراهيمُ وهو ابن مائتى سنة"، بينما تقول رواية التوراة:"وهذه أيام سِنّى حياة إبراهيم التى عاشها مئة وخمس وسبعون سنة" (سفرالتكوين:25). وهو ما يشير إلى أن إبراهيم بنى "المسجد الأقصى" وكان عمره حوالى 150 سنة. وربما من جاء بعده قام باعادة بناء ما قد يتهدم من "المسجد الأقصى" بمرور الزمن، وربما كان منهم سليمان عليه السلام، ولهذا خلط البعض في ذلك الأمر، ومن ثم زعموا أن سليمان هو الذي بنى "المسجد الأقصى". وعلى هذا يقول المؤرخ ابن كثير لحسم هذا الجدل: "ولم يقل أحدٌ إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة..وهذا القول لم يوافق عليه ولاسُبق إليه..". أما "الهيكل اليهودي"، فإنه شُيد حسب "رواية التوراة" فى "السنة الرابعة" من حُكم الملك سُليمان (حوالى سنة 966 ق.م): "وكان فى سنة الأربع مائة والثمانين لخروج بنى إسرائيل من أرض مصر فى السنة الرابعة لمُلك سُليمان أنه بَنى البيت (الهيكل) للرب "(سفرالملوك1–6). وقد دمر هذا الهيكل الملك البابلي "نبوخذنصر" (في سنة 587 ق.م)، ثم سبى اليهود إلى أرض بابل، وهو ما يُعرف ب"السبي البابلي". ثم سمح "كورش" الملك الفارسى سنة 538 ق.م بعودة اليهود من السبى إلى فلسطين، ثم أعاد اليهود بناءه مرة أخرى سنة 516 ق.م، وعُرف ب"الهيكل الثانى"،. ثم جدد الملك "هيرودس" هذا الهيكل في سنة 20 ق.م. وبقى الهيكل لمدة ليست طويلة حتى دمره الرومان سنة 70م، بعد أن خربوا مدينة أورشليم، وقيل "إنهم سووا المدينة (أورشليم) بالأرض"، وسموها باسم الامبراطور "إيليوس هادريان": "إيليا كابيتولينا"، وصارت المدينة تُعرف بعد ذلك باسم مدينة "إيليا"، أو "إيلياء" مع قدوم العرب لفلسطين. ثم طرد الرومان اليهود من فلسطين، وتشتت اليهود فى بقاع الأرض، وهو ما يعرف ب(الشتات الرومانى)، وحرم الامبراطور الروماني إقامة أي يهودي فى فلسطين. ومن ثم لم تقم لهم قائمة هناك بعدئذ لمدة تقارب ألفى سنة حتى صدر "وعد بلفور" سنة 1917م. وتأييدًا لذات الفكرة فإن النبى محمد (ص) أُسرى به من "البيت الحرام" إلى "المسجد الأقصى" فى "السنة العاشرة" من "البعثة النبوية" (أي سنة 620م)، أى بعد دمار "الهيكل اليهودي" بحوالى 550 سنة، وكان اليهود وقتئذ فى الشتات خارج فلسطين. وصلى النبى (ص) فيه إمامًا بالأنبياء. وهو ما يؤكد أن "المسجد الأقصى" كان موجودًا آنذاك في القرن السابع الميلادي، بينما كان "الهيكل اليهودي" المزعوم ذاته لا وجود له فى ذلك الوقت. يقول تعالى :"سُبحان الذى أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى". واللافت أن اليهود يزعمون أن "الجدار الغربى" للحرم القدسي الذى يدعونه ب"حائط المبكى" جزء من "هيكل أورشليم"، رغم أن الهيكل دمرم الرومان سنة 70م، ولم يُبن مرةً أخرى! وقد أكدت "لجنة دولية" تابعة لعصبة الأمم في سنة 1930م بعد أن تم الإطلاع على الوثائق الخاصة بالقدس، أن هذا الجدار شُيد مع أسوار القدس إبان "العصر العثمانى"، أي أن لا علاقة له البتة ب"الهيكل اليهودي"، ومع هذا لا تتوقف الأكاذيب الصهيونية.. ** (باحث فى التاريخ الإسلامي مقارنة الأديان)