حنان الشبيني تقدم بحثًا متميزًا عن فاعلية التدريب في تطوير التعامل مع المحتوى الرقمي    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل بأسوان أول يوليو    محمد شردى يجرى جولة بكاميرا "الحياة اليوم" مع عمال النظافة بالقاهرة    رئيس وزراء اليونان: سعيد باستقبال الرئيس المصري بقصر ماكسيموس    هزيمة النازية ... وجريمة إسرائيل!!    انطلاق مباراة الإسماعيلي وإنبي في الدوري    النيران تلتهم وحدة سكنية بقنا    لماذا يكرهوننا ؟!    تقديم خدمات علاجية ل 470 مواطنًا خلال قافلة طبية شاملة بالبحيرة    إزالة 8 تعديات على أملاك الدولة في حملات بالأقصر    تكريم مجلس اتحاد طلاب جامعة المنيا الأهلية    بسبب السحر.. شاب يحاول قتل شقيقته بالقليوبية    تشييع جثمان الطفل ضحية الطلق النارى من زملائه بكفر الشيخ.. صور    الإسماعيلية تتابع الموقف التنفيذي لمنظومة تقنين واسترداد أراضي الدولة    ختام فاعليات مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في دورته التاسعة - صور    أوس أوس يطلب الدعاء لوالدته بعد دخولها رعاية القلب    «منهم الحمل والأسد».. 4 أبراج تتحدث قبل أن تفكر وتندم    آخرهم رنا رئيس.. 6 زيجات في الوسط الفني خلال 4 أشهر من 2025    قصر ثقافة العريش يشهد انطلاق أولى فعاليات الملتقى الثقافي "الثقافة والهوية الوطنية"    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    لماذا فرض الله الحجاب على المرأة دون الرجل؟ أمين الفتوى يجيب    ميرتس يبدي تحفظا حيال إسهام بلاده في تأمين هدنة محتملة في أوكرانيا    «الإعلام في تعزيز جهود الرعاية الصحية للمواطنين» في جلسة بحثية بإعلام القاهرة    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    جوندوجان يأمل في بداية مسيرته التدريبية كمساعد لجوارديولا    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    عضو ب"القومى للمرأة": حظر تشغيل كل من كان عمره أقل من 15 سنة فى المنازل    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    محافظ المنيا يوافق على تحسين خدمات النقل وفتح التقديم لترخيص 50 تاكسي    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    رئيس جامعة القاهرة: هناك ضرورة لصياغة رؤية جديدة لمستقبل مهنة الصيدلي    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    قطاع الفنون التشكيلية يعلن أسماء المشاركين في المعرض العام في دورته 45    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    بدء التشغيل الفعلي لمنظومة التأمين الصحي الشامل في أسوان أول يوليو المقبل    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    السنغال بالزي الأبيض والكونغو بالأزرق في كأس إفريقيا للشباب    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حان الاعتراف بالحزب الديني؟...غسان الإمام
نشر في المصريون يوم 29 - 11 - 2005


الحرية السياسية حلم رومانسي جميل. ابتكرت أثينا الاغريقية قبل 2500 سنة الديمقراطية لتحويل الحرية الى واقع. الديمقراطية هي الآلة التي تُصنّع الحرية في سلطات منفصلة، وفي مؤسسات سياسية (الاحزاب) واجتماعية (النقابات والهيئات المدنية). صندوق الاقتراع محرك الديمقراطية. هو العلبة العجيبة التي تهديها الديمقراطية الى الشعب ليختار فيها نوابه وممثليه. اذا كان هناك وعي بالحرية وفهم للديمقراطية، جاء الاختيار الشعبي صحيحا ودقيقا. اذا غاب الوعي والنضج باتت العلبة لعبة خطرة يلهو بها مجتمع لا يعرف كيف ومن ينتخب، ومن يوصل الى السلطة. كلما تنوعت ألوان الطيف السياسي كان الشعب اكثر قدرة على الفرز واختيار ممثليه. المشهد الانتخابي والحزبي في المغرب فريد من نوعه عربيا. فهو يحفل بقوى سياسية ودينية تتوزع على الطيف السياسي من اقصى يمينه الى اقصى يساره. كلما منحت الحرية للناخبين المغاربة وزعوا الكعكة الانتخابية بنسب مختلفة بين هذه القوى، بلا ان يطغى حزب واحد على سائر الاحزاب الاخرى. شعوب اوروبا الغربية المتمرسة بالسياسة والديمقراطية لا تمنح حزبا او زعيما تفويضا انتخابيا مطلقا. عندما منحت الحرية للجزائريين، بعد مرور ثلاثين سنة على استقلالٍ ألغى السياسة، نصبوا مقصلة فوق علبة الاقتراع، وسلموا رقابهم الى الحزب الديني (جبهة الانقاذ)، فوقعوا بين نار سلطة عسكرية وسيف جهادية تكفر المجتمع والسلطة والسياسة. ديك تشيني حامل اختام بوش و«بعبع» الامن المخيف للحرية والديمقراطية في اميركا، أرسل المحروسة ابنته «ليز» لتعلم العرب كيف يلهون بعلبة الاقتراع الخطرة! تنحنح النظام العربي وقبل بالنصيحة. كانت النتيجة نظاما طائفيا بالعراق يتقاتل مع معارضات طائفية. كانت النتيجة وصول «حماس» الى مقر البلدية الفلسطينية، لتحاول منها الغاء الرياضة والموسيقى في المدرسة، وقمع حرية المثقفين في الحوار والاجتماع في الجامعات والمراكز الثقافية في الضفة وغزة. احزاب السلطة، في احتكارها السياسة، حالت دون نشوء قوى سياسية ليبرالية او يسارية حقيقية مؤهلة للممارسة الديمقراطية. مع الصحوة الدينية، بات الحزب الديني، سواء كان مرخصا او ممنوعا، هو البديل لهذه القوى، لكي ينافس حزب السلطة، ولكي يخترق صندوق الاقتراع، معتمدا على نصائح البنت «ليز»، ومستغلا الايمان الديني العفوي عند الناخبين، وغفلتهم عن ادراك مدى خطر التصويت لحزب ديني لم يستكمل بناءه الديمقراطي، ولم تتضح، بعد، رؤيته التامة للحرية. شيء من هذا القبيل حدث ويحدث في مصر هذه الايام. عندما اتيح قدر من حرية الاقتراع، سقطت الاحزاب السياسية، ونجح الحزب الديني الاخواني. نعم، كان حزب النظام يدرك ذلك، لكنه لم يهيئ الفرصة التامة لهذه الاحزاب لكي تنمو وتترعرع. وهي بدورها لم تعمل لتعميق قواعدها الشعبية، مكتفية باطلاق لسانها الطويل ضد رموز السلطة في صحافة حرة، بلا تقدير للمسؤولية الوطنية، بل حاولت مرارا وتكرارا التحالف مع «الاخوان» اثباتا ل«تقواها» في المواسم الانتخابية! ما العمل الآن؟ هل حان الوقت للاعتراف والترخيص للحزب الديني؟ لست في موقع الست ليز بنت تشيني لأزجي النصيحة، انما ابدي رأيا شخصيا، فأقول ان الترخيص للحزب الديني لا يقدم ولا يؤخر. فهو في الواقع موجود. لعل الترخيص الرسمي له مفيد في الزامه بالعلنية والشفافية: تقديم مشروعه السياسي لنرى كيف يوفق بين الاسلام والديمقراطية التي يقول انه بات يقبل بتداول السلطة عبر صنوق اقتراعها، صندوق الشعب، لا صندوق «الحاكمية» الغيبية. الترخيص الرسمي يفرض عليه تهوية تنظيمه الحزبي، بفتح مؤتمراته امام المراقبين والجمهور، ليعرفوا كيف يجري تنظيم خلاياه وقواعده، وكيف يجري انتخاب قياداته التي ما زال يمسك بها مرشد تخطى الثمانين، ومن بقايا «الجهاز السري» الذي ارتكب اغتيالات مروعة في الاربعينات. الاشكالية الاخوانية، في مصر خصوصا والعالم العربي عموما، تكمن في ان الحزب الديني خال من المثقفين والمفكرين. هو حزب دعاة للدروشة الاجتماعية و«المسكنة السياسية». حزب بلا ثقافة وبلا حوار هو الذي يطرح شعارات مصبوبة في قوالب جاهزة، وهو الذي يضع الاسلام في أسر اشكالية خطيرة مع الحرية والديمقراطية. هو يعلن انه اصبح مؤمنا بالتعددية السياسية، ثم يربطها فورا بأحجية غامضة، احجية فهمه المستتر الرافض للقبول بأحزاب يسارية بحجة انها «ملحدة» او «كافرة». «الاخوان» المصريون يقبلون فقط بالاحزاب «الحلال»، الاحزاب الليبرالية واليمينية التي تشاركهم في بورجوازيتهم الطائلة الثراء التي تقدم خدمات اجتماعية، من دون ان يكون لديها مشروع متكامل لمعالجة القضايا الاجتماعية، من فقر مزمن، الى تكاثر سكاني هائل يدمر مشاريع التنمية، عندما يفتح مليون طفل مصري عيونهم على الحياة كل تسعة أشهر، وعندما يتقدم نحو مليون شاب للعمل، فلا يجدونه كل سنة. الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم مطالب هو ايضا، في ضوء الامتحان الانتخابي الراهن، بأن يتحول من حزب للنظام الى حزب شعبي، اذا كان صعبا على حزب ليبرالي ان يكون حزب آيديولوجيا سياسية او طبقية، فلا بد من ان يكون حزب آيديولوجيا اقتصادية واجتماعية، حزبا له مشروع اجتماعي لتوفير ضمانات ومكاسب للفقراء والعمال، مع بدايات الازدهار الاقتصادي الذي تشهده مصر، لكي لا تتسع الهوة بين الفقر والغنى، ولكي لا يصوت هؤلاء للحزب الديني، كتعبير عن الاحتجاج، وليس كتعبير عن غرامهم بالاخوان. لست قلقا او مهتما بالتوتر في الانتخابات المصرية. العنف الديني او السياسي ظرف عابر في مجتمع له تاريخ عريق في التسامح والتعايش، انما اشعر بالقلق ازاء التلويح بتوريط الجيش في اللعبة السياسية. كان القضاة المصريون على خطأ كبير في فهم الديمقراطية، عندما دعا بعضهم الى انزال الجيش لحماية مراكز الاقتراع. مؤسسة مدنية ممتازة الوعي، كالقضاة، لا تقبل بعسكرة الحياة السياسية، لأي سبب كان. المؤسسة العسكرية العربية، عموما، هي ضد الحزب الديني. احرقت العسكريتاريا العربية اصابعها ومصداقيتها في لعبة السياسة. وهي اليوم تلقي بثقلها وراء المؤسسة السياسية الحاكمة، ادراكا منها لمتاعب التدخل لحمل المسؤولية مباشرة، ولا سيما ان العالم بات رافضا بشدة للانقلاب العسكري او الثوري. مع ذلك، فإغراء العسكر بالتدخل قد يثير لعاب بعض العسكريين المغامرين او المتدينين، كما حدث في السودان، وأدى الى حروب اهلية وضرب للديمقراطية المدنية. حماية اللعبة السياسية هي في مزيد من الحرية. الخوف من الحزب الديني لا يستدعي قمعه بالقوة العسكرية، انما بالذهاب الى المجتمع لتوعيته بخطر تجيير عاطفته الدينية الى احزاب ومرجعيات تملك احاجي غامضة، بدلا من مشاريع سياسية عملية. اقول هذا خوفا على مصر، وغيرة عليها، وحرصا على استكمال ديمقراطيتها التنافسية، فما يصيب مصر من خير او شر، يصيب العرب جميعا خيرا او شرا. ----------------------- صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.