يُحكى في قديم الزمان , عن سلطان جائر طغى على شعبه في بعض البلدان, وخشي يوماً من نقمة ودعاء أهل الإيمان , من ظلمهم والحرمان .. فجمع إليه حاشية الكيد والبهتان .. أشاروا عليه , بأن يطلب بيضة من كل إنسان .. جُمعت في سلال السلطان .. ثم نادى في الناس: أن استردوا ما وهبتم , ومنا كل الامتنان .. اختلط الأمر, وأخذ كل منهم ما ليس بحقه في النوع والميزان, وعندها صاحت شلة الشيطان: الآن لا تخشى من هؤلاء الرعية والرهبان .. سحقهم , نكّل بهم .. اجتمعوا عليه بالدعاء..فلا مجيب.. وكانوا قبل ذلك من أهل الإجابة والرضوان .. وهذا حال الشعوب في كل الأوان وهذا الزمان .. يكن بؤسهم من سحت المال الحرام , وقد أغراهم به ظالم حاكم أو حقير سجان .. ولم يغيّروا ما بأنفسهم, فكان الندم والهوان , ورعى الثعلب دجاجهم في ثياب الوعظ , فأذاقهم الذل والخذلان .. وأسكنهم في بواطن الحفر والقيعان , وفي كل مرة يدعونهم إلى مهرجان البهلوان , ليجدد لهم ألوان الدجل , ويهز لهم بجزرة الطمع , وعصي الإذعان , ويفرّق بينهم بتلوين مشاعر الوجدان , فيلعن بعضهم بعضاً , ويفوز بالسلطة والأطيان , ثم يستلقي على قفاه ضاحكا من غفلتهم وسذاجة الغلبان . يستصرخونه النجدة , وقد باعوا له الأرض وما عليها من سكان !! فهل للبائع حق بعدما قبض أبخس الأثمان, ورقص أن يعيش سيده, ولتذهب الأوطان ؟! إذا كان الفقر والجهل هما السبيلان, فأين المفر يا تُرى من سوط الظالم وحقارة السجان ؟ لقد ضاع صوت الشريف وسط ضجيج الرويبضة والنسيان .. أسكتوه .. طاردوه في كل مكان .. سخروا منه كقوم نوح عشية الطوفان .. وتجاهلوا حكمة لقمان , وتناسوا آيات القرآن .. فماذا بقى لهم من شعب الإيمان , غير نطقه على الشفاه واللسان , بدون وع أو حسبان ؟ أو قل : ماذا بقى لهم من ذكرى لحوادث الزمان ؟ ثم يرجون رحمة ربهم , فلربما فات الأوان , ألم يزعم فرعون أنه تاب وهو في اليم غرقان ؟! إنهم أشبه بالموتى , وإن كان الجسد يتحرك بلا وجدان .. كيف يرضى الإنسان معيشة الحيوان ؟! ويُساق إلى حظيرة العفن والأدران ؟! ثم يُذبح على موائد بطرهم , وقد ملأت مقدراته جيوب العربيد السكران .. ثم دفنوه بلا أكفان , في مقبرة منّوا عليه بشبر ، ليتوارى عنهم عفن الجثمان , وتلقفوا من جاء بعده ليتواصل الإذعان , ويبقى الفأر لعبة وغذاء للقطط السمان , بل جنّدوه حارساً لما سرقوه , واستمدوا منه الصولجان , وأشاعوا أن الشرف في تفانيه من أجلهم والسلطان !!