حينما وصل الصراع على السلطة فى مصر فى الأسبوعين الماضيين لطريق مسدود ولمرحلة غاية فى الصعوبة، تم فيها قتل مواطنين وجنود مِصريين فى ميدان العباسية وحرق شخصيات سياسية كثيرة مؤثرة ومهمة، استشعرنا جميعاً القلق الكبير على بلدنا، فكان طرح المناظرة بين مرشحين رئاسيين بمثابة طاقة نور لإنهاء الصراع والعودة للطريق الانتخابى الصحيح، يلتف الناس حوله من جديد، ومع أننى أختلف مع كثيرين فيمن قدموا للمناظرة بأنها ستكون المناظرة الأولى فى عالمنا العربى، على اعتبار أن تاريخنا قد شهد آلاف المناظرات الدينية والشعرية والأدبية عبر العصور المختلفة، إلا أن بلادنا لم تشهد بالفعل شكل المناظرات السياسية من قبل، فهى جديدة علينا وعلى المرشحين تماماً، ومع أننى ككثيرين غيرى جذبتنا فكرة أن تقام مناظرة بين مرشحين لمنصب الرئاسة فى مصر، وشدَّتنا الدعاية الإعلانية المكثفة لإقامتها بين السيد عمرو موسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح طيلة الأسبوعين الماضيين، إلا أن الطريقة التى تمت بها تحت رعاية منظّميها، وبقيادة يسرى فودة ومنى الشاذلى مساء الخميس الموافق 10 من مايو 2012 على شاشَتَىْ " أون تى فى" و"دريم "، تشى بأن المال السياسى لا زال يتحكم فى مصرنا الغالية بكل تفاصيلها. ورغم أن المناظرة شهدت فى أجزاء كثيرة منها تفوقاً ملحوظاً لعبد المنعم أبو الفتوح على عمرو موسى، وأن كل مَن يطالع كواليسها وصُورها يعتقد أن فريق أبو الفتوح قد استعدَّ لها جيداً، إلا أن الأخطاء التى وقع فيها المرشحان، وطريقة إدارة الحوار التى لم تستكشف خباياهما، وتفضيلها لطريقة الأسئلة على حساب الاشتباك المباشر بين المرشحين، يقول إن الوصول لهذا المشهد الختامى قد جرى الترتيب له وإعداده جيداً. فالمشهد برمته منذ الإعلان عنه، وحتى موعد انعقاد المناظرة مساء الخميس الماضى، والتى استمرت ثلاث ساعات على جزأين، يفضح دور القوى الخفية التى رتبت لإخراجه بعناية، ولعل الشكل الدولتى المحافظ والمدنى الذى بدا عليه السيد عمرو موسى، وانعكاسه فى الغمز واللمز المتداول عبر المنتديات حول دفع القوى المدنية لتفكيك الخطاب الشعبى والثورى والمدنى الذى يتبناه أبو الفتوح وهدمه، يقطع بأن هناك خطاً عاماً يجمع تلك القوى للحفاظ على مصالحها الواسعة والممتدة عبر أنحاء الوطن. وللتعرف على الوجه الآخر لمناظرة الخميس الماضى نعرض ستة ملامح رئيسية تلخص كواليس المناظرة وملامح القوى التى دفعت لعقدها: أولها: توجيه استطلاعات الرأى التى أجراها مجلس الوزراء ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام وأحد المراكز الأخرى؛ ليتصدَّر أبو الفتوح وعمرو موسى تلك الاستطلاعات منذ منتصف أبريل الماضى، أى بعد خروج أبو إسماعيل وعمر سليمان من السباق. ومن ثم لا يُعقل أن يؤخذ بنتيجة الأسبوعين الأخيرين فقط، من منتصف أبريل وحتى الأول من مايو 2012؛ لتأتى بهما دون بقية المرشحين الآخرين، ثانيها: أن الممولين للمناظرة هم قناة أون تى فى وجريدتا الشروق والمصرى اليوم، وهؤلاء يدور الحديث بأن غرضهم الأساسى منها هو توجيه الناس نحو عمرو موسى كمرشح مدنى دولتى محافظ، وتفكيك الخطاب المستتر والمزدوج لأبى الفتوح، ثالثها: استغلال الممولين للانتخابات كفرصة لن تتكرر فى الاستفادة المالية والدعائية لخطابهم والمحافظة على مصالحهم، فهناك غمز ولمز يدور عبر المنتديات حول سؤال مهم: ماذا لو عُقدت تلك المناظرة بين شخصيتين أخريين، كمحمد مرسى وأبو الفتوح، أو حمدين صبَاحى وعمرو موسى أو العكس؟، وهل كانت ستجلب تلك الإعلانات المكثفة التى تحققت؟، أم أن ترتيبها كان محسوباً بدقة وعناية، بحيث تقسم أرباحه المالية الكبيرة على الجميع؟، ومن ثم ينتهى هؤلاء إلى نتيجة مفادها، أن الممولين للمناظرة كان غرضهم الأساسى جذب تشكيلات مختلفة من الجماهير؛ لضمان نسبة مشاهدة عالية ومعلنين كُثُر، وأرباح ضخمة لن تتكرر، رابعها: مَن يتابع التعليقات حول المناظرة يدرك تمامًا أنها قد أُديرت لصالح القوى المستفيدة من النظام السابق، ولمصلحة حلفائها السياسيين؛ ولهذا اعتبرها البعض تسويقًا غبيًا لأحد الفلول، وضربة قوية لمحمد مرسى مرشح الإخوان، خامسها: صمت المرشحين الآخرين حول المناظرة وطريقة اختيار أطرافها، باستثناء أنصار حمدين صبَاحى، يشير إلى نوع من التواطؤ المحسوب بينهم وبين أصحاب المال السياسى، سادسها: هناك فريق يدرك عَوَارها، ويعتقد أن أطرافها محسومة بين أبو الفتوح ومحمد مرسى، بحكم تصدُّرهما للاستفتاءات الشعبية عبر المؤتمرات الحاشدة التى عقداها طيلة الأيام الماضية، ومن ثم اعتبروا ما جرى فيها لا يغير كثيراً فى مسار المعركة الرئاسية، رغم تخوفاتهم من تأثيراتها فى توجيه العوام للتصويت وحسم الإعادة بين طرفَيْها. أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة