على الرغم من حظر الحكومة تداول لحوم الفصيلة الخيلية (خيول بغال حمير)، إلا أن الإعلان بصفة شبه دورية- عن ضبط وإغلاق مخازن ومطاعم تقدمها بديلاً عن اللحوم الحمراء (الأبقار والجاموس)، يؤكد انتشارها على نطاق واسع في البلاد. ويخلو القانون المصري من مواد صريحة تعاقب على الاتجار في هذه اللحوم، إلا أن جميع الوقائع التي يتم ضبطها تقع تحت طائلة جريمة "الغش التجاري والشروع في بيع سلع غير صالحة للاستهلاك الآدمي." ويعاقب القانون على الجريمة سابقة الذكر بالحبس مدة لا تقل عن عام ولا تجاوز خمسة أعوام، وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه. وفي الوقت الذي تقول الحكومة إنها تكثف حملات الرقابة على الأسواق لمنع تداول لحوم الحمير –أقل سعرا من اللحوم الحمراء المسموح بتداولها- تعتبر جمعيات (غير حكومية) معنية بمراقبة الأسواق وتوعية المستهلكين أن "جهود الرقابة لن تجدي نفعا في ظل ارتفاع أسعار لحوم الأبقار والجاموس". وتتراوح أسعار اللحوم الحمراء الطازجة بمصر بين 120 جنيها، و160 جنيها، للكيلوجرام الواحد، بينما تتراوح أسعار اللحوم المحفوظة والمستوردة بين 70 جنيها، و100 جنيه، للكيلوجرام، وفق وكالة "الأناضول". وتقول وسائل إعلام إن سعر الحمار (المستأنس) الواحد في قرى المحافظات –يزن بين 150 إلى 200 كيلوجرام- يبلغ نحو 4 آلاف جنيه، وتسبب فروق الأسعار بين نوعي اللحوم إغراء للتجار والجزارين بالتربح السريع. ولا يزال المزاج العام في الطعام لدى معظم المواطنين نافرا من تناول لحوم الحمير، غير أن انتشارها في الأسواق سرا دفع البعض عبر منصات التواصل بمطالبة السلطات بتقنين تداولها عقب الكشف البيطري عليها. وقال الخبير الدستوري نور فرحات، على حسابه بموقع "فيس بوك"،: "إذا كانت مباحث التموين تضبط كل يوم كميات من لحم الحمير المعدة للبيع، لماذا لا نُبيح بيعها بعد الكشف عليها بيطريا والتأكد من صلاحية الحمير للاستهلاك الآدمي؟." وأضاف متهكما "أكل لحم الحمير قد يساعدنا على فهم البعض منا." وكتب رضوان السيد (فني بمعمل تحاليل طبية /29 عاماً) عبر حسابه الشخصي بموقع التغريدات القصيرة "تويتر" ساخرا من انتشار لحوم الحمير في الأسواق "كل يوم آكل رغيف حواوشي يعني أكيد أكلت حتى الآن حمارين على الأقل!". وانتقد عمرو سويد (مبرمج /34 عاما) على صفحته بموقع "فيس بوك" ارتفاع أسعار لحوم الحمير وانتشارها، وقال ساخرا "الضمير انعدم.. الجزار يبيع لحم الحمير ب110 جنيهات للكيلو مع أنه في كل مكان ب90 جنيها فقط ". وقالت سمية راشد (ربة منزل /42 عاما) عبر صفحتها بموقع "فيس بوك" ساخرة "إعلان الحكومة عن تصدير الحمير الحية للصين سيرفع أسعار الكباب في مصر". وبدافع انتشار ظاهرة ذبح الحمير في مصر أصدرت دار الإفتاء فتوى رسمية حول حكم أكل لحوم الحمير، في سبتمبر الماضي، قالت فيها "اتفق جمهور العلماء على حرمة أكل لحوم الحمير الأهلية أي المستأنسة التي تعيش بين الناس وتحمل أثقالهم"، واستدلوا على ذلك بقول "إن رسول الله نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل". وعلى مسافة قريبة من هذا الطرح قال مدير معهد بحوث الحيوان السابق، محمد جلال، إن "الفصيلة الخيلية التي تنتمي لها الحمير تصاب بأمراض تجعل لحومها غير محببة ومنفرة أحيانا". وأضاف جلالل أن الذبح خارج المجازر، قد يصيب اللحوم بأمراض فيروسية تمثل خطرا على حياة المواطنين. وأوضح أن "لحوم الحمير لها مذاق ولون ورائحة غير مستساغة لدى المزاج العام للشعب المصري وأن الغش في اللحوم غالبا ما يكون من خلال خلط لحم الحمير مع اللحوم الأخرى في المنتجات المفرومة أو المُصنعة". وتابع أن معهد بحوث الحيوان يمتلك جهازا للبصمة الوراثية للحيوانات "DNA " بحيث يكشف أنواع اللحم المحظور تداولها (حمير- كلاب- قطط) والتي يتم خلطها مع اللحوم الأخرى المتداولة في الأسواق. وتقول مباحث التموين، إنها تضبط كميات كبيرة من لحوم الحمير في شركات ومخازن أثناء قيامها بحملات مكثفة، فيما تنقل وسائل إعلام وقائع عديدة لعثور أهالي على بقايا حمير مذبوحة بالقرب من مناطق الزراعات بقرى مصر. ويزداد استهلاك المواطنين للحوم الحمراء خلال شهر رمضان، وخلال عيد الأضحى، وعقب أعياد المسيحيين، حسب تقديرات خبراء السلع الغذائية. وتستورد الحكومة لحوما مبردة ومجمدة من دول عدة أبرزها البرازيل، والهند، والسودان، وأوكرانيا، بسبب نقص الثروة الحيوانية التي تصل إلى 21 مليون رأس (حيوان) في دولة تعداد سكانها حوالي 93 مليون نسمة، وفق أحدث تقرير رسمي للثروة الحيوانية بمصر لعام 2015. وتزامن تطبيق الحكومة سياسات تقشفية، عبر تخفيض دعم المواد البترولية في يوليو 2014، ورفع أسعار الكهرباء والمياه، وقانون الضريبة على القيمة المضافة، مع تراجع متواصل في سعر الجنيه مقابل الدولار، وزيادة عجز الميزان التجاري المصري، ما ساهم في تزايد الأعباء الاقتصادية على محدودي الدخل. ووفق أحدث إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) لعام 2015، يعيش تحت خط الفقر حوالي 27.8% من إجمالي تعداد السكان البالغ نحو 93 مليون نسمة (أي حوالي 26 مليون نسمة).