أكد العلماء المشاركون في ندوة الجمعية الشرعية أن الإسلام قدم الحلول الإيجابية والحاسمة لرأب الصدع وإعادة التوازن المعيشي في المجتمعات والنهوض بها نحو مزيد من التنمية الشاملة والعطاء المستمر، وأن التمويل الإسلامي هو العصا السحرية لحلول مشكلات مصر الاقتصادية. وأشار د. محمد المختار محمد المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية- عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن المنهج الإسلامي هو الأساس وهو البديل الحقيقي المطروح أمام العالم ليتراجعوا عما يسيرون فيه من ضلال ويتوجهوا إلي المنهج الإسلامي المستمد من كتاب الله وسنة رسوله [، موضحا أن الإسلام يتميز بملاءمته للفطرة الإنسانية وتعامله مع الإنسان بكل ما أعطاه الله له من مواهب وإمكانات وطاقات في إطار علمه سبحانه وتعالي بخلقه: {أَلا يعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وتحدث عن شمولية الإسلام، مؤكدا أن النظام الاقتصادي الإسلامي لا يقتصر علي الأمور المادية كما هو معلوم وموجود في النظم الاقتصادية الوضعية.. ولكن لأن الإسلام نظام كامل متكامل، فالنظام الاقتصادي فيه لا يكتمل إلا مع نظام إيماني روحاني ومع نظام العبادات كلها التي يكمل بعضها البعض، والنبي [ قال: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». وعلي حد قوله فإن التنمية والنهضة تبدآن بإصلاح القلوب والإيمان بالله ومراقبة الله في السر والعلن، فإن صلح القلب صلحت السلوكيات والأخلاق والمعاملات والعبادات لأن جميعها تخدم ما يوصي به هذا القلب، وقد أمضي النبي صلي الله عليه وسلم 13 عامًا في مكة يثبِّت أركان هذا الإيمان ثم جاءت التشريعات بعد ذلك في المدينةالمنورة سهلة ميسرة علي الأعضاء والجوارح فاستجابت لها وأقيمت دولة الإسلام علي تلك الأسس القلبية الإيمانية، فقامت الدولة بنظمها وتشريعاتها علي أساس القلوب العامرة بطاعة الله، الذي حرم الغش والرشوة والاحتكار وكل أنواع الانحراف. وأضاف د. المهدي قائلا: إن المنهج الإسلامي فرض توجيهات اقتصادية وتنموية واضحة وميسرة فجعل العمل فريضة وجهادًا في سبيل الله، فهو فريضة لقوله تعالي: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيهِ النُّشُورُ} (الملك: 15)، وقوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَي عَالِمِ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَينَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة: 105). من ناحيته أكد د. معبد الجارحي الخبير الاقتصادي وأمين هيئة الفتوي لسوق دبي المالي أن الاقتصاد المصري عاني لعقود طويلة من الركود والكساد، وأنه لا سبيل للنهوض بالدولة إلا من خلال الاقتصاد الإسلامي وذلك حتي تستطيع الدولة الانطلاق والوصول إلي مستويات أكبر من الرفاهية والعزة والكرامة. وتحدث د. الجارحي عن وسائل التنمية والتي من خلالها يتم النهوض السريع بالمجتمع فأشار إلي أن التنمية الشعبية هي أولي وأهم هذه الوسائل، وأوضح أن هناك قطاعين اقتصاديين يعملان في مصر الأول وهو القطاع الرسمي الذي يحتاج لسجل تجاري ولديه موظفون وأن هناك أيضا ما يسمي بالقطاع الموازي وهم فئة الباعة الجائلين الذين لا يملكون محلات أو شركات أو سجلاّ تجاريا أو موظفون. وليس لهم علاقة بالحكومة ولا بالقانون ويمثلون 82% من حجم سوق العمل، وتصل ثرواتهم إلي 347 مليار دولار في الأصول الموجودة وهذه الثروة تزيد خمسة أمثال القيمة الرأسمالية للشركات الموجودة في البورصة، وتزيد بسبعة أمثال الاستثمار الأجنبي. ويري د. الجارحي أن ثروة هؤلاء الذين يعملون خارج القطاع الرسمي هي ثورة عظيمة ينبغي تنميتها ويعطي مثالا ببائع الفول في الطرقات والذي يمكن إدخال تجارته داخل القطاع الرسمي من خلال استخراج التراخيص الخاصة له وإعطائه محلاً أو سيارة أجرة يستطيع من خلالها مضاعفة إنتاجه وزيادة دخله وتحويله إلي رجل أعمال. وفي هذا الإطار أكد د. معبد الجارحي أن تحقيق التنمية الشعبية يكون بتنمية هؤلاء الناس وتحويلهم إلي رجال أعمال كالقطاع الرسمي، ويكون ذلك من خلال تقديم التمويل اللازم لهم، فالمؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر تحتاج لتمويل بسيط لمضاعفة الإنتاج وبالتالي تتحقق التنمية بتخطيط يسير ومبالغ قليلة وتغيير طفيف في القوانين للتيسير علي الناس وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وبالتالي تكون الوسيلة الأولي لتحقيق التنمية هي استيعاب المهمشين وتنمية مؤسسات أعمالهم الصغيرة. وشدد د. الجارحي بضرورة تكاتف الجهود لإيجاد وظائف مناسبة لعلاج البطالة وتكثيف فرص العمل في القطاع الخاص، وذلك بتنشيط القطاع الخاص وتقديم أعمال منتجة بدلا من الجلوس في المكاتب بلا إنتاج، وكذلك تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار في الأسعار فلا تذبذب في الأسعار ما بين الانخفاض والارتفاع، مع تحقيق زيادة حقيقية في الاقتصاد كل عام بزيادة نصيب الفرد من الإنتاج، وخاصة زيادة أنصبة الفقراء بحيث تزيد ولا تقل وتضيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء فلا يكون هناك غني فاحش ولا فقر مدقع. وطالب الدكتور الجارحي المجالس التشريعية الحالية بأن تبدأ في إصدار قوانين وتشريعات بحيث تكون جاهزة للتنفيذ من قبل الحكومة التي تتولي أمور البلاد فعلي هذه المؤسسات التشريعية أن تبحث في تنظيم مؤسسات الأعمال وإدارة وتشغيل هذه المؤسسات، وتوسيعها وتسجيل العقارات وتقديم التراخيص وإعادة هيكلة منشآت الأعمال وتطويرها. وزيادة الإنتاجية يحتاج فتح مجال الاستثمار وتسهيله بزيادة الاستثمارات، وتوضيح التشريع بالنسبة للتنمية الشعبية بإنشاء مؤسسة متخصصة لرعاية التنمية الشعبية، حيث يحتاج الباعة الجائلون لمؤسسة فيها متخصصون تذهب لهم وتساعدهم للانتقال والتوسع والتحول إلي مؤسسة أعمال صغيرة ناجحة وليس فقط مجرد إصدار قوانين ثم تركهم في الشوارع. واعتبر د. معبد الجارحي التمويل الإسلامي من الوسائل الأساسية للنهوض والتنمية بالمجتمع ولكنه أعرب عن أسفه لما وصل إليه قطاع التمويل الإسلامي في مصر من التخلف والركود، وأن التمويل الإسلامي في مصر لا يعمل وفقا للشريعة وأن البنوك الإسلامية مبنية علي المرابحة ولكنها ليست مرابحة سليمة، فالدولة ترفض القانون الإسلامي، والبنك المركزي من ناحية أخري لا يفهم الفرق بين التمويل الإسلامي والتمويل الربوي. وأكد د. الجارحي أن التمويل الإسلامي فيه جميع الحلول للمشاكل التي تواجه الاقتصاد المصري مطالبا صانعي القرار بضرورة تعديل القانون للسماح للتمويل الإسلامي بحيث يكون جنبا إلي جنب مع التمويل التقليدي خاصة في ظل وجود رغبة شعبية عارمة في التمويل الإسلامي، بحيث تكون معاملة البنك المركزي علي قدم المساواة بين التمويل الإسلامي والتمويل الربوي العادي. كما نادي بأهمية تفعيل الأوقاف واستعادة دورها في نهضة المجتمع، وتفعيل قوانين خاصة بالزكاة بحيث تكفي أموال الزكاة لتنمية المجتمع وتحسين أحوال الفقراء، وسن قوانين للمنافسة حتي يتم القضاء علي أي احتكارات في الدولة. وخلص الدكتور الجارحي في كلمته إلي أن الاقتصاد المصري مريض ويحتاج إلي علاج ليتعافي، ولكنه أكد ضرورة التدرج في النهوض بالمجتمع اقتصاديا وإمهال الحكومة القادمة الوقت الكافي لتصل إلي مرحلة انعاش الاقتصاد في البداية ثم تتدرج إلي النهوض الكامل بعد ذلك.