جمال سلطان البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية أمس الأول ، أثناء سير العملية الانتخابية في المرحلة الثالثة والذي هاجم جماعة الإخوان وذكر الناس بأنها جماعة غير شرعية وأن ملاحقة الجهاز الأمني لأعضائها هو جزء من سلسلة مستمرة من سنوات لوقف نشاط سري غير شرعي ، هذا البيان يمكن أن نسميه بأنه " بيان الوقت الضائع " ، وحتى صيغة البيان كان من الواضح أنها كتبت على استعجال فغابت عنها الحصافة وبالتالي لم يقنع أحدا ، كما أن توقيت صدوره أيضا كشف عن أن ملاحقة الجماعة لا صلة له بالقانون ، وإنما بالسياسة ، البيان صدر في أعقاب تعنيف أوربي وأمريكي للحكومة المصرية وحزبها الحاكم من استعمال العنف والحصار والبطش بالمرشحين والناخبين في الانتخابات الأخيرة ، وحملات الاعتقال التي طالت المئات خاصة من أعضاء جماعة الإخوان ، وبالتالي يكون من العبث أن تذكر الأمريكان بأن هذه الحملات توجه إلى جماعة سرية محظورة ، الجماعة التي لها ربع برلمان مصر ليست جماعة سرية بكل تأكيد ، والجماعة التي تخوض الانتخابات النيابية وتطرح برنامجها السياسي علانية ، مهما اختلفنا معه أو حوله ، ليست جماعة ضد الدستور أو النظام العام ، والجماعة التي يمنحها أكثر من مليون ونصف المليون مواطن صوته في الانتخابات يصعب الوقوف كثيرا عند وصفها بالمحظورة ، بيان الداخلية فشل في إقناع الرأي العام المحلي والدولي في أن التجريدة الأمنية الأخيرة لحماية الدولة ، وليست لحماية حزب سياسي بعينه ، وهذا هو أسوأ ما في البيان ، إنه محاولة للتغطية على خطأ فادح ، وهو تحويل وزارة الداخلية وأجهزتها لممارسة دور الخادم والداعم للحزب الوطني ، الجهاز الأمني هو لخدمة الدولة ، والوطن ، وليس في خدمة حزب سياسي ، أنا لا أفهم مثلا سببا وجيها لتوجه قيادات من مباحث أمن الدولة بالقاهرة إلى محافظة الشرقية وكفر الشيخ يوم العملية الانتخابية ، ما دخل " أمن الدولة " في ممارسة ديمقراطية علنية يشرف عليها القضاء ، هل ذهبت لمطاردة تنظيم القاعدة ، أو جماعة الزرقاوي ، كان من المفترض أن تصدر الداخلية بيانا يوضح ملابسات الاتهامات الخطيرة التي نسبت إلى تسعة من ضباطها بالاعتداء على قضاة ومستشارين في اللجان ، بعضهم مذكور بالاسم ، وهو الأمر الذي لا سابق له أبدا في مصر ولا في أي بلد محترم ، الاتهامات الموجهة للداخلية ليست من المرشحين ولا الناخبين ولا جماعة الإخوان ، وإنما هي موجهة من القضاء ذاته ، بأشخاصه وقيادات ناديه ، هل تعتبر وزارة الداخلية نادي القضاة أيضا تنظيما سريا محظورا يستباح أعضاؤه ، لماذا لم تصدر الداخلية بيانا يعتذر أو على الأقل يوضح الإجراءات التي سوف تتخذها الوزارة مع هؤلاء الضباط الذين أهانوا مصر ومؤسساتها قبل أن يهينوا قضاءها ، فقط الداخلية مشغولة ببيان يبرر مطاردة جماعة الإخوان التي تعكنن على الحزب الوطني وتهدد أغلبيته في الانتخابات الحالية ، جميل أن تذكرنا وزارة الداخلية بأن المنضمين إلى الإخوان هم خارجون عن القانون ويتوجب ملاحقتهم ووقف نشاطاتهم لأنها غير مشروعة ، ولكن السؤال الذي نعيده ونكرره ، لماذا لا تظهر هذه الحملات إلا في المناسبات الانتخابية ، البرلمانية أو النقابية ، بينما الجماعة ومقرها وقادتها ورموزها يجوبون مصر من أقصاها إلى أقصاها يوميا ويتحدثون في الإعلام الرسمي المصري والدولي باسم الجماعة ، الإخوان لم يعودوا ملفا أمنيا ، هذه هي الحقيقة الواضحة وضوح الشمس الآن ، وبالتالي فمثل هذه البيانات والإجراءات لن تقنع أحدا بعد اليوم أنها لخدمة القانون وحماية الدولة ، وإنما تصبح أمام الرأي العام المحلي والدولي مجرد انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامة. [email protected]