لكل ما يؤذى وإن قَلّ ألمْ / ما أطول الليلَ على من لم ينمْ، أما أكثر ما يؤذى كاتبًا هو التلويح بالمقاطعة، وهجرة القراء، حتى لو قارئًا واحدًا. فالقارئ للكاتب كالماء للعشب، ووصلة الإنترنت لجهاز الكمبيوتر، قارئى هو النجم القطبى، فى صحراء أقطعها دون بوصلة ولا ظهر جمل. والعلاقة بين كاتب ركيك ضعيف كحالتى المزرية، وقارئ رائع، غاضب أو راضٍ، معلق أو ساكت، كحضرتك، كعلاقة الأرض بالشمس، والسيف بالجلاد، والفلول بالطرف الثالث، علاقة تؤمن أن الطلاق أبغض الحلال. كتاب كثيرون- كنت واحدًا منهم حتى حين- تهزهم الشتائم، وتطير بعقولهم اللعنات، وتزلزل أفئدتهم التهكمات، وهناك كتَّاب - أرجو أن أكون منهم - لا يغضبون لأشخاصهم، بل كل مناهم غضبة لرب العالمين، قد يكون الزمان لم يسمح بها فى أزمنة، فإذا الزمان جواد كريم، كخالقه جميل يمنح الجميل، والعاقل هو مَن يحفظ كل جميل. وهناك كتَّاب أرادوا أن يقولوا قولتهم ثم يمضون - وبينى وبينهم مسافات - هم يرون الخطر، ويحذرون منه، لا ينافقون مجلسًا عسكريًا ولا ثوارًا ولا جماعات، صار بعضها حاكمًا جائرًا، يحكم بالإعدام لمجرد ثلاث دقائق غضب هى زمن قراءة المقال. والحق أرجو أن أكون قائله، والحق أرجو أن أدور حيث يدور، وقد دارت بنا الدنيا، وحملتنا موجات الفتن، وسحبات الهموم، وسحب المخاوف، والحق أنه لا حق لى أن أطالعكم كل صباح، لو لم أكتب ما أراه حقًا. والحق الذى أراه، أن أخطر المنافقين هو مَن ينافق قرَّاءه ومن قد يثقون فى قلمه، فعليه وبه، بعد الاستعانة بخالق اللوح والقلم، وباعث البلاغة فى جوف ليل بغار حراء إلى الرسول الأتم، أن أقول لكم ما يرضى ضميرى، لا ما يرضيكم، ما أريد أن أقوله، لا ما تريدون أن تسمعوه، وإلا ففى القبر متسع لذى قلب يعِى، وفى المقالة قبر لذى قلب غوِى. مصر اليوم بين طريقين لا ثالث لهما، إما الحزم والصبر، أو ما تخافون وتعرفون. وأول الأصول، أنه لا رهبانية فى الإسلام، يعنى لسنا مجتمعًا من الملائكة، يعنى لا عصمة لأحد، يعنى وظيفة الناقد أن يقف بالمرصاد لكل ما قد يعتقد أنه شطط من رجال حتى لو كانوا رؤوسًا وزعامات وأقمارًا، كائنين من كانوا. فلما كتبت عن الشيخ أبى الأشبال وخطر تصريحاته، كنت أدرك أن هناك عيونَ ذئاب لامعة تنتظر دخول الضحية الفخ، وحينما كتبت عن الشيخ حازم، كنت أدرك أن الأمة والدم، أهم من قضية "أم"، وأن الدماء لا تساويها كل مقدسات الأرض، وأنه من النفاق تحميل الذئاب الجريمة كاملة، مع غض الطرف عن الراعى المشغول، وأن السفينة لا يمكن أن تُترك لثقوب أخطاء طيبى النية. رسالة غالية – بعلم الوصول وانتظار الرد-: إن أكثر النعم التى أمطرت خيرها من هذه الثورة، هو الأمان من كلاب الشيطان، فلا تفرطوا فيها، فبها تبلغون المقاصد، وبغيرها تصحو فتنة العنف النائمة، ألا لعنة الله على من يوقظها. أحبكم جدًا، وأعدكم بمخالفتكم كلما رأيت ذلك حقًا.