يُخطئ كثيرًا من يستحضر بعضاً من الشواهد والممارسات (الحالية) للدول التى ترسخت فيها الديمقراطية, والدستور, والمؤسسات, ليستدعيها للمشهد المصرى الراهن للتطبيق, فمصر تسعى لأن تلد نظامًا ديمقراطيًا مستقرا, فإذا تمت (الولادة) بنجاح وسلامة (نأمل ذلك) فإن الوليد بحاجة إلى فترة (حضانة) فى صدر أمه (تحميه وتُغذيه) حتى يتم فطامه ثم يحبو ويتعثر حتى يستقيم عوده, بينما (المولود) فى الدول الديمقراطية، قد أصبح شابًا يافعًا, أو قل: قد أصبح رجلا كبيرا حكيما بخبرة وحنكة السنين والأحداث والتجارب.. وعلى ذلك, يُخطئ أكثر من يقول إن (الأغلبية) هى التى تفعل كذا وكذا فى فرنسا أوالمانيا أوتركيا, لأنه قياس فى غير محله, ومن الغريب أيضًا أن من كنا نسمع منها قدحًا وذمًا فى التجربة التركية وأردوغان, يمتدحونه الآن وتجربته ويتخذونها مثالا ونموذجًا, دون إدراك أيضًا أن مايرونه فى تركيا الآن من نجاحات هو نتاج لكفاح طويل مع العسكر من ناحية, ونتاج أيضًا لتصحيح المسار داخل الحركة الإسلامية نفسها هناك.. وحينما ننظر إلى استحقاق التنافس الرئاسى الحالى, فلعلنا نضع معا بعض الاجتهادات لتحليل هذا المشهد: أولاً: الترشح حينما يدفع حزب بأحد أعضائه ليترشح لمنصب الرئاسة فيكفيه خطاب من حزبه يستغرق إعداده دقائق معدودة ثم يقدمه للجنة الانتخابات. أما المرشح الذى لا يسانده حزب فإنه سيبذل جهدا كبيرا للحصول على 30 ألف توكيل من عدة محافظات, ومن ثم فهو بحاجة أولا لتجميع الأنصار وتوفير الأموال, ثم اختيار الأعوان ليساعدوه على الحصول على التوكيلات ابتداءً. ثانيًا: الحملة إن المرشح عن حزب سيختصر الجهد, فحزبه جاهز لمساندته بأمواله ورجاله, وسيبدأ على الفور فى حملته من مقاره وبمقدراته, ومن ثم ترتفع حظوظه بقدر حصة حزبه على خريطة العمل العام بالوطن. بينما يسعى المرشح الذى لا يسانده حزب إلى افتتاح مقار, وتجهيزها بالرجال والمال, ثم تنطلق حملته بعد ذلك. ثالثًا: النجاح وهذه تختلف عن سابقتيها, فالمرشح الذى يسانده حزب سيستفيد من مؤسسات الحزب وأمواله ورجاله بما يوفر له الجهد والوقت فى الترشح ثم فعاليات الحملة, بينما يفتقد المرشح الآخر هذه المزايا, لكن بعد النجاح سيخلع كل منهما رداءه الحزبى ليكون رئيسًا للوطن كل الوطن, ومن ثم ستتضح أهم الفروقات التالية: 1- الرئيس الحزبى سيكون خصومه كُثر (فى الإقليم والعالم وفى الداخل أيضًا من خلال المؤسسات السيادية والحزبية والإعلامية والاقتصادية) بقدر الخصومة الموجهة ضد حزبه بما قد يعيق عمله كثيرًا (لا ننسى أننا نتحدث عن المشهد المصرى بخصوصيته) بينما الرئيس غير الحزبى، فإن الخصومة الموجهة ضده ستكون أقل. 2- لن يستفيد الرئيس الحزبى من مؤسسات حزبه لأنه لن يعمل بآليات التنظيم ولا وفق وسائله, فالوطن أكبر من أى حزب, وحينما يريد أن يعمل من خلال مؤسسات الدولة لأنها الأكبر والأشمل فقد يُواجه بمعارضة ما لأن هذه المؤسسات قد لا تدين له بالولاء الكامل لاعتبارات حزبية, كما أنه (إذا لم يكن من ممارسى العمل العام) فسيستحضر طريقته (التى يجيدها والتى اعتادها) داخل حزبه, بينما إدارة (تنوع) مفردات الوطن تختلف عن إدارة (وحدة) مكونات التنظيم. 3- سيعمل الرئيس الحزبى أوالرئيس غير الحزبى (عند الفوز) من خلال مؤسسات الوطن لتحقيق أهداف كل الوطن (مراكز الأبحاث ومؤسسات التعليم والصحة والبنوك والاقتصاد والخدمات والشرطة والبرلمان والقضاء والخارجية والإعلام.. إلخ), وهنا لن يكون لحزبه فائدة تذكر (فالحزب قد يساعده أكثر من غيره فى الوصول للمنصب)، لكن الحزب لن يكون بأى حال من الأحوال بديلا عن مؤسسات الوطن.. ولن يستطيع الاستقواء بحزبه ضد مؤسسات الوطن لأنه لم يحصل على المنصب ليدخل حربا معها, بل ليعمل بها, ولا يمكن أن يستغنى أى رئيس عن مؤسسات الوطن (الأكبر والأشمل), ويكتفى بمؤسسات الحزب (الأضعف والأصغر)؟ إذن نحن بحاجة لرئيس وطنى يؤمن بالثورة, يتصف بمواصفات خاصة وقبول مجتمعى, يعبر عن وطن لا حزب, يستطيع إدارة تنوع المجتمع, فتدين له مؤسسات الدولة بالولاء بلا تصادم معه أو تنافر, لأنه يسعى للتعاون لا الصدام, حيث لا سبيل لتحقيق أهداف الوطن إلا بمؤسسات الوطن. [email protected]