أهالى المختفين قسريًا والمنظمات الحقوقية تتهم "الداخلية" بتعمد تصفيتهم جسديًا بعد أشهر من القبض عليهم يبحثون عنهم فى المستشفيات والأقسام و مراكز الأمن المركزى، ولا يجدون لهم أى أثر على الإطلاق، فيفقدون الأمل تارة ثم يتعلقون به تارة أخرى، بعد أن تصلهم أنباء بأماكن احتجازهم، فيفرحون ثم يقومون بكتابة "التليغرافات" لإرسالها للنائب العام، أملاً فى أن يفرج عن أبنائهم، فهذه هى معاناة أهالى "المختفين قسريًا". ولم تقتصر معاناتهم عند هذا الحد بل بعد أن يتأكدوا أن ذويهم معتقلون لدى وزارة الداخلية، يتفاجأون بنبأ وفاتهم وتصفيتهم من قبل رجال الداخلية من خلال بيان تنشره الوزارة عبر صفحتها. وقد حدث تطور جديد وغريب من نوعه فى ملف"الاختفاء القسرى"، فبعد فترة من اختفاء أشخاص معينين، تقوم وزارة الداخلية بإصدار بيان تؤكد فيه تصفيتها لتلك الأشخاص فى تبادل لإطلاق نيران. ويخرج أهالى المختفين ومراكز حقوق الإنسان، ويسردون روايات مغايرة تؤكد أن هؤلاء الأشخاص كانوا مختفين وألقى القبض عليهم بواسطة الداخلية، مبرهنين على ذلك بالتواريخ. وخلال السطور التالية نوضح بعد الحالات، التى أعلنت وزارة الداخلية عن إعدامها أو "تصفيتها" بتهمة تبادل إطلاق النيران أثناء القبض عليهم، وهم فى الأساس كانوا مختفين قسريًا، وذلك على النحو التالى.. والد "عبد الرحمن جمال": "ابنى كان مختفيًا قسريًا والداخلية قتلته" ضمن سلسلة الانتهاكات الحقوقية، التى يتعرض لها المختفون قسريًا فى مصر، تعرض عبد الرحمن جمال، الطالب فى الفرقة الثانية بكلية العلوم والبالغ من العمر 23 عامًا، إلى التصفية الجسدية رغم تعرضه للاختفاء القسرى لأكثر من شهر، وهذا بحسب ما قاله والده. ويؤكد والده جمال محمد أحمد، فى تصريحات خاصة ل" المصريون":"ابنى قبض عليه يوم 25 أغسطس عام 2016 الساعة 9 صباحًا من مدينة السادس من أكتوبر وهو متوجه لعمله فى أحد معامل التحاليل المتواجدة فى المنطقة". وتابع متأثرًا: " نحن من مدينة المنيا ونسكن هناك لكن ابنى عبد الرحمن كان يعمل فى إحدى المعامل فى محافظة القاهرة فى الإجازة الصيفية له". وواصل: "عبد الرحمن لم يكن له أى توجه سياسي، وعقب إلقاء القبض عليه بحثنا عنه كثيرًا فى الأقسام واكتشفنا أنه متواجد فى مبنى الأمن الوطنى بالشيخ زايد، واستمر هناك قرابة شهر ثم نقل إلى مكان آخر وربما يكون مقر الأمن الوطنى بلاظوغلي، وفى 6 ديسمبر أعلنت الداخلية تصفيته فى أسيوط حسب زعمهم، رغم إنه ظل لدى الداخلية 108". وأردف: "الرواية التى أعلنتها الداخلية أنها قتلت ثلاثة من ضمنهم ابنى فى تبادل لإطلاق نار أثناء القبض عليهم وهو يعد افتراء، لأن أبنى كان مختفيًا قسريًا لديهم ولدى الكثير من الأدلة على هذا الكلام، منها البلاغات عشان كنا بنبعت 3 تليغرافات فى الأسبوع". وأكد والد الطالب، أن نجله كان مختفيًا قسريًا، وكان محتجزًا فى أحدى أماكن الاحتجاز التابعة للشرطة لمدة ثلاثة أشهر ونصف، وعقب أن تسلم جثته بعد قتل الداخلية له، وجد بها آثار تعذيب على جسده، وكانت عبارة عن حروق وصعق بالكهرباء فى بطنه وصدره وأكتافه. " واختتم حديثه قائلًا:"أنا بقول حسبنا الله ونعم الوكيل، والقصاص بيد الله يأذن به متى شاء". وكانت قد أعلنت وزارة الداخلية، فى بيان لها يوم 6 ديسمبر2016، عن تصفيتها لثلاثة شباب بأحد العقارات بقرية بنى شعران، أمام مركز منفلوط بالطريق الصحراوى، بتهمة الانضمام لحركة حسم وحركة سواعد مصر. وقالت الوزارة وقتها فى البيان: "تم تكثيف الجهود على مدار الأيام الماضية توصلًا، لوكر حركة حسم، ما أسفر عن تحديد عقار مكون من طابقين كائن بقرية بنى شعران مركز منفلوط بمحافظة أسيوط، وقام المتهمون بمداهمة القوات الأمنية حيث فوجئت بإطلاق أعيرة نارية كثيفة مما دفع القوات للتعامل معها". محمد السيد حسين زكى.. تصفيته من قبل الداخلية بعد اختفائه أما محمد السيد حسين زكى، أدرجت الداخلية اسمه مع الطالب عبد الرحمن جمال الذى تعرض للقتل من قبل الوزارة، وكان محمد السيد مختفيًا قسريًا قبل أن تقوم الداخلية بتصفيته على الرغم من عدم وجود صلة بينه وبين الطالب بحسب ما قاله أهله. وأكد أهله: "أن نجلهم مختف قسريًا منذ يوم 11 أكتوبر 2016 بعد أن قامت قوات الأمن بإلقاء القبض عليه من أحد الكمائن فى القاهرة أثناء تواجده هذا الوقت فى العاصمة، ثم نقلته إلى مكان مجهول"، بحسب رواية أهلة التى قالها لهم شهود العيان وبحسب ما نشر لهم على موقع التواصل الاجتماعى " فيس بوك". وعقب ذلك أعلنت وزارة الداخلية، فى بيان لها يوم 6 سبتمبر أنها صفته ضمن اثنين من الإرهابيين فى تبادل لإطلاق نار، نشرت صفحة" إكسر كلابش" رسالة لزوج أخته بعد رؤية جثته فيها:" نزع أظافر.. آثار حروق.. صعق بالكهرباء.. قطوع بآلات حادة فى مناطق مختلفة.. رصاصة واحدة من الخلف أسفل الأذن اليمنى" وذلك بحسب كلامه. جدير بالذكر، أن محمد السيد حسين زكى، كميائى بمعهد بحوث سدس ومندوب بإحدى شركات الأجهزة الكهربائية ومقيم بمركز الفشن بمحافظة بنى سويف. علاء رجب أحمد عويس.. من المختفين قسريًا وقتل من الداخلية أما علاء رجب أحمد عويس، من مواليد 1988 محافظة بنى سويف، تعرض للاختفاء القسرى فى سبتمبر الماضى من عام 2016، ثم فوجئت أسرته بإعلان وزارة الداخلية تصفيته ضمن كل من عبد الرحمن جمال ومحمد السيد حسين زكي، فى مركز منفلوط بأسيوط يوم 6 ديسمبر من نفس العام، فى تبادل لإطلاق النيران أثناء القبض عليهم. وكانت فى وقت سابق قد أكدت أسرته أنه اختفى بشكل قسرى قبل أن تعلن تصفيته وزارة الداخلية، وذلك بحسب أسرته وبحسب"مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان" التى أكدت خبر اختفائه من شوارع القاهرة، ونشرت ذلك الخبر يوم 5 أكتوبر 2016على صفحتها الشخصية بال"فيس بوك". يذكر أن "عويس"، خريج كلية التربية قسم اللغة الفرنسية، وأب لطفلين. حسن محمد جلال مصطفى.. أحد ضحايا الاختفاء القسرى المقتولين أما حسن محمد جلال مصطفى، الطالب بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالزقازيق، فى مدينة ههيا بمحافظة الشرقية، قد تعرض للاختفاء القسرى يوم 26 ديسمبر2016، بحسب رواية أهله وبحسب ما نشره مركز "الشهاب" على صفحته الشخصية بالفيس بوك. وعقب ذلك أعلنت وزارة الداخلية يوم 8 مارس، عبر بيان نشرته من خلال صفحتها على "الفيس بوك": "فى إطار جهود الوزارة المتواصلة لتتبّع وملاحقة عناصر ما يسمى بالحراك المسلح التابع لجماعة الإخوان واستهداف أوكارهم التنظيمية، فقد تمكّن قطاع الأمن الوطنى من تحديد مكان اختباء أحد عناصر الحراك المسلح المشار إليه، ويُدعى حسن محمد جلال مصطفى طالب بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، مطلوب ضبطه وإحضاره، فى القضية رقم 724/2016، وذلك فى إحدى المزارع بمنطقة جمعية السلام، دائرة مركز أبو صوير، الإسماعيلية". وتابع البيان: "عقب استئذان نيابة أمن الدولة العليا تم استهداف المزرعة المُشار إليها، إلا أن الإخوانى المذكور بادر بإطلاق الأعيرة النارية تجاه القوات، مما دفعها إلى التعامل معه". واختتم البيان:"وقد أسفر ذلك عن مصرعه، حيث عُثر بحوزته على بندقية آلية تحوى خزينتها 5 طلقات، كما عُثر فى محل الواقعة على 12 فارغًا من ذات العيار، وتتولى نيابة أمن الدولة العليا مباشرة تحقيقاتها فى الواقعة"، بحسب بيان الداخلية. حقوقيون: النظام يشجع على الانتهاكات الحقوقية قال خبراء حقوقيون، إن النظام الحالى يشجع على ارتكاب الانتهاكات الحقوقية، وهو ما أكده الناشط الحقوقى محمد أبو ذكري، مدير مركز المناضل للحقوق والحريات، مشيرًا إلى أن هناك إرادة سياسية للاستمرار فى التصفيات الجسدية والمحاكمات التعسفية. وفى تصريحات خاصة ل"المصريون" قال "أبو ذكري"، إن الأمن اعتبر نفسه القاضى والجلاد بجانب ما تقوم به من أعمال فأصبحت تتحرى عن المتهمين وتثبت الجرائم عليهم وتصدر الأحكام وتنفذها أى أنها أصبحت القاضى والجلاد دون انتظار لحكم القضاء. وأشار، إلى أن عمليات التصفية الجسدية انتشرت فى الآونة الأخيرة وازدادت فى عهد وزير الداخلية، اللواء مجدى عبد الغفار، مشددة على حق كل المتهمين فى محاكمات عادلة من قبل محكمة مختصة مستقلة دون تدخل من قبل قوات الأمن فى إصدار الأحكام. واكد الناشط الحقوقي، أن الشعب لم يعد أمامه سوى الرضا بالأمر الواقع، خاصة مع تخوفه الواضح من قيام ثورات، مؤكدًا أن النظام يستهدف كتم أى أصوات معارضة فى الوقت الذى يزداد فيه حدة الغضب يومًا بعد يوم. وأوضح، أنه فى أى بلد ديمقراطى تتوقف مهمة رجال الأمن على إلقاء القبض على المتهمين، مؤكدًا أن الانتهاكات دفعت الناس للخروج أثناء ثورة 25 يناير 2011 فى ثورة أطاحت بنظام استمر 30 عامًا، وأنه ليس مستبعدًا أن تطيح تلك الانتهاكات بالنظام الحالي، حسب قوله. وأشار إلى أن ما يحدث يؤجج الوضع الداخلى، ويخلق مناخًا مشابهًا لما يحدث فى سيناء والتى تشهد توترًا وحالة من عدم الأمن بدليل ما حدث مؤخرًا من تهجير الأقباط وهو ما سيؤثر بشكل ملحوظ على السلم المجتمعى ويزيد من انتشار العنف. فيما قال رئيس حزب الكرامة، أمين إسكندر، إن النظام الحالى منح النيابة العامة سلطة قانون الطوارئ، وأصبح هناك العديد من المحبوسين احتياطيًا والذين قد تتجاوز مدة حبسهم سنوات. وأوضح إسكندر، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن الغرب يعرف جيدًا ما يحدث فى مصر من انتهاكات لحقوق الإنسان والتى تعد من نقاط الضعف التى يعانى منها النظام محليًا ودوليًا. وفى ذات السياق، أشارت الناشطة الحقوقية دعاء حسين، إلى تصفية المعارضين أو المشتبه بهم بشكل ممنهج من قبل قوات الأمن، موضحة أن وزارة الداخلية تنشر لدى الشعب الخوف من الإرهاب لتغطية ما تفعله من اعتقال عشوائى وتصفية جسدية وغيرها من الانتهاكات. وتابعت "حسين" فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن الوضع الحقوقى فى مصر سيئ جدًا، بدليل وجود الآلاف من المعتقلين فى السجون بدون تهمة واضحة وبدون تحديد وضعهم القانونى والذين يلاقون التعذيب داخل مقار الاحتجاز ويتم اكتشافه يوميًا. وأشارت، إلى أن النظام الحالى منح النيابة العامة سلطة قانون الطوارئ، وأصبح هناك العديد من المحبوسين احتياطيًا والذين قد تتجاوز مدة حبسهم سنوات. وأضافت، أن مصر يحكمها حكم مستبد دفع بمصر إلى انتكاسة واضحة للجميع فى مجال حقوق الإنسان، حسب ما أكدت، مشددة على ضرورة أن يتعامل النظام الحالى بجدية مع ملف حقوق الإنسان وأن يوجه وضع الملف الحقوقى نحو التحسن. واستنكرت "حسين" عدم تقديم الدولة والنظام أى فرد أمن للمحاكمة فى جريمة من جرائم التصفية الجسدية، أو التعذيب حتى الموت وهو ما يضعها فى قفص الاتهام مع من يقومون بتلك الجرائم.