يحار الكاتب والمفكر وهو يتابع الأحداث التى تمر بها مصر والعالم من حوله، فيما يقرأ ويتابع وأيضًا فيما يكتب ويعلق، فالوقت يدهمه، والأحداث تتوالى مثلما موجات أعصار عاتية، وعليه أن يشارك فيما يجرى من أمور حياتية، تتأثر وتؤثر فى حياة الناس والشعوب والأوطان. ومن ثم أصبح حملة القلم وحراسه فى مأزق متابعة ما يجرى دون أن يتسلحوا بالحكمة والرؤية الثاقبة والقراءة الجيدة للأحداث من حولهم، كما أن عليهم ألا يتسرعوا فى إصدار الأحكام والأقوال والأفعال لما لهذه الأحكام والأقوال والأفعال من مردود على جمهور القراء والمتابعين. أقول هذا، وأنا أرى المشهد السياسى والاقتصادى فى مصر لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، وأضيف عليه المشهد الدبلوماسى فى واقعة التهجم على السفارة السعودية بالقاهرة. الأحداث تتلاحق، وعصفور النار يجرى ويطير من هنا إلى هناك، وقد أشعل كل شىء فى طريقه، وما من أحد يعيقه أو يصيده، أو يطفئ النار التى بين أصابعه. كل شىء فى مصر يحترق، الدور والقصور، النسل والزرع، الشركات والبنايات، الشوارع والميادين، مجلس الشعب والعسكرى، المجلس الاستشارى ومجلس الوزراء، حتى الأرض، ما ومن عليها يحترق.. أو تشتعل فيه النيران من كل نوع وصنف. حرق الدم، حرق الأعصاب، حرق الأسعار، حرق الحياة اليومية والمعيشية للمصريين البسطاء العاديين من أبناء الشعب حيث تحترق الحياة من تحت أقدامهم.. الحاضر والمستقبل يحترق، ليلهم ونهارهم يحترق، حياتهم وحياة أبنائهم تحترق.. ولا أجد من يتقدم ويقدم على إطفاء هذه الحرائق. والأعجب من ذلك أن هناك من يذكى هذه النار، ومن يزيدها اشتعالاً، بل وهناك من يسكب الزيت على النار لتظل جذوتها متوقدة.. ربما يقول قائل، فتش عن الثورة والثوار، وهذا ظلم بيّن وجلى، وربما يقول آخر إن المصريين ينقصهم الوعى بإدارة بلادهم، وفى هذا القول تجنٍ أيضًا، وربما يأتى ثالث ليقول إن هناك ممن تروق لهم هذه الحالة السائلة للمرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر، أو ما اصطلح عليه بالطابور الخامس أو الفلول أو أنصار النظام البائد الذين يحاربون الثورة ويعملون ضدها، وربما يكون هذا جائزًا لكنه يحتاج إلى دليل. وأنا هنا أقول.. فتش عن المستفيد من حالة السيولة الثورية هذه، التى تبدو فيها كل الأشياء على غير حقيقتها. نحتاج إلى الثبات، والرؤية الصائبة، ونحتاج أيضًا إلى أن يخفض الإعلاميون أصواتهم الزاعقة وأن يبدل المتظاهرون والمعتصمون شعاراتهم ويخفضوا من صرخاتهم واحتجاجاتهم، وأن تعمل النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية كل عملها فى اجتياز هذه المرحلة الهامة والدقيقة من حياة مصر والمصريين، هذه المرحلة التى طالت رغمًا عنا وكأنها بفعل فاعل، نحتاج إلى الإخلاص فى العمل، وإلى قليل من الخوف على وطننا.. مثلما أننا نحتاج إلى كثير من الحب الذى يجب أن يحيط بكل سلوكنا العام والخاص. علينا أن نتخلى عن الكيد السياسى الذى سوف يدمر كل ما بقى من الوطن، وأن نتخلى عن فكر وسلوك الرئيس السابق ونظامه الذى كان يتصف بالغباء، والعناد، والتفكير المتأخر، والقرارات التى تصدر فى غير أوان وفى غير مكان، أن نتخلى عن السلبية، وأن نتمسك بالإيجابية الفاعلة.. علينا أن نتخلى عن أنانيتنا، وسلوكياتنا المريضة، علينا أن نحب وطننا مصر، ذلك أن الحب شعور إيجابى، يطرد كل المشاعر السلبية، وعلينا أيضًا أن نتخلص من تلك المضغة التى زرعها النظام السابق فى نفوس المصريين وفى أفئدتهم.. هذه المضغة هى التى دفعت البلطجية لكى يدمروا كل شىء جميل فى بلدنا، وهى نفس المضغة التى جعلت أطفال الشوارع يحرقون المبانى والدور والمجامع العلمية، ويحطمون الشوارع والميادين، وهى من جعلت الحاقدين يحرقون المصانع والشركات والمزروعات.. فى مشهد عبثى يستعصى على ملوك الدراما تصوره أو التفكير فيه. مايعيشه المصريون اليوم فى هذه المرحلة وتلك الأيام ظرف مرحلى، مر به المصريون الذين سبقونا كثيرًا، عاشوه، وعايشوه، تحملوا ألمه وعذابه، وانتصروا عليه، وتجاوزوه، وإلا ما وصلت إلينا مصر على هذا النحو الذى جعل العالم يصفها بأنها أم الدنيا.. وحاضرته. وأقول للاعبين بالنار.. مصير مصر على المحك، تاريخ مصر وحاضرها، وأيضًا مستقبلها على المحك.. قيمة مصر وقامتها، دورها العربى والإقليمى والدولى أيضًا على المحك.. وأحذرهم بأن التاريخ لن يرحمهم، كما أن الأجيال القادمة لن تغفر لهم جراء ما أثاروه من غبار فى عيون مصر. وأقول لمحبى هذه البلد الآمنة بإذن الله ووعده خافوا عليها قليلاً.. وأحبوها كثيرًا.. فللمحبين أفعال وإنجازات لا يقدر عليها غيرهم. وحفظ الله أرض الكنانة ومن عليها من كل شر وسوء. [email protected] :