نسمع كل يوم عن علماء وعباقرة صعدوا إلي سطح القمر ، وآخرين إكتشوا كواكب جديدة ، وغيرهم قد وصل لعلمهم لأبعد مدي .. ونحن في مصر ، لازلنا نقدس مصطلح إسمه " درجة النجاح " . فهل من المعقول أنه مع تقُدم الغرب بعلمائه وأفذاذه في شتي المجالات ، نكون نحن لازلنا في سعي لأن يحصل أبنائنا علي درجة النجاح في المواد الدراسيه ، لكي ينتقلوا للمرحلة الأعلي دون رسوب !! والمعروف في بنود وزارة تعليم مصر ، أن درجة النجاح لأي مادة دراسية ، هو أن يحصل الطالب علي نصف الدرجة من مجموع الدرجة النهائية .. فإذا كانت الدرجة كلها من خمسين ، فإن حصل الطالب علي خمس وعشرين من خمسين درجة ، يكون قد نجح في تلك المادة .. أما إن قل الطالب ، ولو بدرجة واحدة عن نصف الدرجة الكلية ، فهو راسب بلا عُذر وبالنسبة للنجاح في اللغة الإنجليزية ، فيكون بحصول الطالب علي اربعين في المائة من الدرجة .. فإن كانت الدرجة من أربعين مثلاً ، فمجرد حصوله علي ستة عشر درجة فقط من الأربعين ، فهو ناجح .. ولا غبار عليه .. ولكن لماذا أن النجاح في اللغة الإنجليزية ، يكون كذلك وليس من نصف الدرجة الكلية كباقي المواد ؟! هذا لأننا في مصر نعتبر أن شعبنا وبالأخص طلاب مدارسنا يعانون من ضعف كبير في تعلم وتحدث اللغة الإنجليزية .. بل أن الإنجليزية كلغة تمثل عُقدة مؤلمة عند الكثير .. ورغم أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأهم في عصرنا الحالي ، وخصوصاً لدي العاملين بالدول التي تتحدث الإنجليزية ، إلا أن هناك تدني واضح إلي الآن في تعلم الإنجليزية .. يظهر في إجوبة أسئلة إمتحانات الإنجليزية لطلابنا ، ويتضح ظهور ذلك التدني عند الإختلاط بأهل اللغة ، أو عند عمل أي اختبار في الإنجليزية استماعاً أو تحدثُاً أو كتابةً .. ولذا فمجرد الحصول علي ربع درجة النجاح في الإنجليزية بمدارس مصر ، يُعد إنجاز للمعدومين من الإلمام بتلك اللغة .. هكذا يُنظر إلي النجاح في مصر .. فنحن نحصر طعم النجاح في مجرد النجاح في مادة دراسية ولو بالقليل الكافي من الدرجات التي ربما جاءت بالغش أو الخداع .. أما في بلاد الغرب وأوربا .. فنجاحهم يتجدد وتتسع قاعدته العريضة ، ربما كل لحظة مع ميلاد إبتكار جديد أو إعلانهم عن إكتشاف مذهل يفيد البشرية .. وكذلك تجد طلاب اليابان ، توصلوا بعقولهم للكثير من الإختراعات .. ولنا أن نقارن - ورؤوسنا مدفونه في الرمال - عن الفارق بين معني النجاح في مدارس اليابان ذو الإختراعات المدهشة .. وبين النجاح في مصر الذي يتم بمجرد الزحزحة عن الرسوب بقليل ، والتخطي نحو النجاح .. طبعاً مائة علامة تعجب . كان المعلمون في مصر ، ولا يزالون ، يقدمون الوصية، إلي الضعفاء من الطلاب ، بإجابة سؤال التعبير ، عن طريق تكرار الجملتين اللاتي يأتيان بورقة الأسئلة كرأس لسؤال التعبير، فعن طريق تكرار هاتين الجملتين مرات كثيرة ، يستطيع الطالب بأن يشغل ورقة الإجابة بالجمل الكثيرة الغير مرتبة أو مفهومة .. فيحصل علي درجة كبيرة علي تلك الجُمل التي تصنع إجابة خادعة .. أما في سؤال جُمل الصواب والخطأ .. فتجد المعلمون ينصحون الطلاب المعدومين بأن يضعوا علامة الصواب أمام كل الجمل أو علامة الخطأ أمام نفس الجمل دون قراءة الجُمل .. بحجة أن واضع الإمتحان يضع نصف الجملة لعلامة الصواب ونصفها الآخر لعلامة الخطأ ، فيضمن الطالب الضعيف أنه سيحصل علي نصف درجة السؤال!! وأثناء تصحيح أوراق الإجابة ، يُفاجئ المُصحح ، بإجابات لا تُقرأ ، من سوء الخط وقُبحه ، فيعاني ذلك المُصحح من محاولة البحث عن أي كلمات أو جمل تُشابه الإجابة الصحيحة لكي يأخذ ولو نصف درجة السؤال أو ربعها ، أما الورقة التي لا تحمل إجابات صحيحة لتنجي صاحبها من عذاب الرسوب ، فتجد مصححو أوراق الإجابة ، وبالأخص مُشرف المادة ، يحاولون عمل أي محاولات سواء بتعديل بعض الإجابات بنفس خط الورقة ، حتي يضمنوا حصول صاحبها علي درجة النجاح ، فبالتالي يُحسب هذا التلميذ علي قائمة الناجحين .. لا الراسبين .. ولولا وقوف المُصحح في صف الطالب ، لكان عدد الراسبين سنوياً ، هائل للغاية !! ولذا تلحظ ذلك واضحاً ، في نتائج الطلاب الضعفاء ، وهو الحصول علي نصف الدرجة الكلية للمادة ، كما ذكرت سالفاً .. لدرجة أن بعض المدارس الثانوية ، خلاف الثانوي العام .. تقبل الحاصلون علي مجموع مائة وخمسون درجة من المجموع الكلي ، وهو ثلاثمائة .. أي تحتضن الناحجون بأقل درجات ، لا المتفوقون .. وهذا الأمر الخطير ، يدفع الكثير من الطلاب علي عدم الإجتهاد في دراستهم ، ويجعلهم مطمئنين أنهم إذا نجحوا بدرجة النجاح فقط ، مع تدني المجموع الكلي ، فإنهم سيجدون المدارس التي تقبلهم ولو بالمصروفات .. أما طلاب إمتحانات الدور الثاني ، فتكون مدارسهم أشد حرصاً ، علي مساعدتهم ، بتسيير سبل الغش لهم ، ربما بتوصية من مدير المدرسة وتكليف معلم المادة ذاتها أو غيره بمساعدة الطالب داخل لجنته ، أو شرح أسئلة الإمتحان له داخل اللجنة ، في عُجالة وفي سرية وحذر .. أو إخباره بحل بعض أسئلة الإمتحان بطريقة ليست مباشرة ، حتي يصل بإجاباته للحد الذي يجعله يحصل علي درجة النجاح فقط ، وليس الحصول علي الدرجة النهائية ، وإلا تكون فضيحة كارثية علي إدارة المدرسة .. ومع إنجاح الطلاب بالغش وعدم التدقيق في إجوبتهم فهذه طامة كبري ..واعتراف باطل من مسئولي التعليم بنجاح راسبين ، لا يستحقون هذا النجاح ..إنه النجاح الآلي الذي توصي به وزارة التعليم ، فعملية النجاح تتم من تلقاء نفسها ، كل لا تتسع دائرة الراسبين . ولعظيم الأسف فإن درجة النجاح قد تسببت في تخريج أجيال عديدة ، لا تعرف الكتابة أو القراءة .. ثم يُفتضح أمرهم عندما يتقدمون لأي عمل ما ، فيُفاجئ صاحب العمل بشخص ما يرغب العمل عنده ، وربما لا يعرف كتابة إسمه أو قراءة أبسط العبارات .. مع حصوله علي شهادة الإعدادية أو الدبلوم الفني !! تباً لها درجة النجاح التي أظلَت الطالب الناجح بتفوق مع الناجح بشق الأنفس تحت مِظلَة واحده .. حقاً لا يستويان .. ؟!! [email protected]