كما كانت مصر منطلقًا للخلاف بينهما، يبدو أنها ستجدده مرة أخرى، واقع تفرضه تصريحات رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن جماعة الإخوان المسلمين، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة. التصريحات التي نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، عن الحريري، قال فيها إن مصر "نجحت في وقف مخطط جماعة الإخوان لتحويل مصر إلى دولة دينية". لم يكتف الحريري بذلك بل ربط بين ذلك وإسرائيل، حين قال إنه "في حال نجحت هذه المحاولات لبررت مساعي إسرائيل في الحصول على الاعتراف الدولي بفكرة الدولة اليهودية". فهل من شأن تلك التصريحات أن تجدد الخلاف بين تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري، والجماعة الإسلامية (فرع الإخوان في لبنان)؟. خلفيات ا?شتباك السياسي بين التيار والجماعة تعود إلى تباين المواقف من الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013، ففي حين أصيبت الجماعة في مقتل، التزم التيار بموقف السعودية (الداعم الأكبر له) في تأييد العزل واعتبار ما حدث "ثورة". لكن يبدو أن الطرفان لن يسمحا بأن ينشب صراع بينهما بسبب الموقف من الأزمة المصرية، في حين تحاصرهما ولبنان كله أزمات داخلية وإقليمية كبيرة، على اعتبار أن التحالف السنّي يظل التنظيمين. ويبدو الموقف المتباعد بين التيار "الأزرق" و"الرايات الخضراء" من أحداث مصر ليس السبب الوحيد في الخلاف، فهناك العديد من القضايا الأخرى أبرزها أزمة انتخاب مفتي جديد للبلاد، وقضايا أخرى تفصيلية تخرج من الإطار العام إلى إطار المناطق والمدن. ولعل علاقة الجماعة بتيار المستقبل ستكون على رأس أولويات الرؤية الجديدة التي ستعتمدها الجماعة في المرحلة المقبلة، عقب مؤتمرها العام والسياسي المقرر أواخر مارس الجاري. وعلى الرغم من تنوع أسباب الخلاف، تبقى معززات التقارب وعدم اتساع الهوة قوية هي الأخرى، وهو ما عبرت عنه مجموعة من الشواهد أبرزها اللقاء الذي جمع الحريري بالأمين العام للجماعة عزام الأيوبي فبراير الماضي. كما سلمت قيادة الجماعة سفارة السعودية في لبنان مشروعها لترتيب البيت السني، لكن لم تتلق أية ردود فعل على هذه المبادرة. رئيس المكتب السياسي للجماعة النائب السابق أسعد هرموش أعلن خلال لقاء إسلامي عقد قبل نحو شهر في طرابلس (شمال لبنان) عن الحاجة لإعادة ترتيب أوضاع الساحة الإسلامية السنية والاتفاق على قيادة ومرجعية مركزية لمواجهة مختلف التحديات في لبنان والمنطقة. أبرز تلك التحديات داخليًا قضية سلاح حزب الله وتغوله، وخارجيًا الأزمة السورية، وهما الأمران اللذان تتطابق بشأنهم وجهتي نظري التنظيمين. وعلى الرغم مما تقدم فإن تصريحات الحريري الأخيرة من القاهرة، يمكن أن تلقي بظلالها على الأرض في لبنان، حيث تبقى قادرة على تجديد الخلاف والنبش في قضية ربما اعتبرها الجانبان من الماضي، نظرًا لحجم التحديات التي تواجههما. وجهة النظر تلك تستند إلى المرجعية التي لا تخفيها الجماعة الإسلامية في لبنان، بل تعبر عنها بشكل معلن عبر موقعها الرسمي، حيث تؤكد أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأن نواتها تبلورت عقب زيارة المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي إلى لبنان عام 1953. ليس هذا فحسب، بل إن جولة سريعة على تصريحات ومواقف قادة الجماعة، علاوة على بياناتها الرسمية، يكشف موقفها مما حدث ويحدث في مصر، الأمر الذي يجعل اندلاع توتر بسبب تصريحات الحريري أمرًا واردًا. ففي 15 ديسمبر 2016، نشر الموقع الرسمي للجماعة تقريرًا تحت عنوان "إحتفالية تكريم الشيخ القرضاوي"، جاءت مقدمته على النحو التالي: "بدعوة من مركز الحضارة للبحوث والدراسات في اسطنبول الذي يرأسه صلاح عبد المقصود وزير الإعلام في حكومة مرسي، أقيم إحتفال عالمي لتكريم رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس المجلس الاوروبي للدعوة والإفتاء الدكتور يوسف القرضاوي". وفي نفس التقرير، نُقل عن رئيس المكتب السياسي للجماعة "أسعد هرموش" قوله: "أخطأ النظام العربي عندما تآمر ومول إسقاط الرئيس الشرعي لمصر الدكتور محمد مرسي". تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني حول الإخوان، والذي نفى عنها تهمة الإرهاب والتطرف، كان محل تعليق من نائب الجماعة الوحيد في مجلس النواب اللبناني "عماد الحوت". النائب اعتبر أن التقرير "عنصرًا مهمًا ضد التطرف وجدار حماية ضد توجه الشباب المسلم تجاه التطرف والعنف، وفرصة ثمينة لتصويب طريقة التعامل مع الإسلام السياسي وإعادة تقييم مواقف حكومات العالم إزاء الأنظمة الاستبدادية والقمعية". لكن يبدو أن لغة المصالح والبراجماتية سيكون لها اليد الطولى في تحديد تداعيات تصريحات الحريري، ففضلًا عن حتمية التقارب لا التنافر بين تيار المستقبل والجماعة الإسلامية، نجد أن لغة المصالح تحرك الأخيرة. ففي فبراير الماضي شاركت الجماعة في حفل إحياء ذكرى الثورة الإيرانية في مقر السفارة الإيرانية ببيروت، تلك المشاركة التي لم تمر مرور الكرام. موجة انتقادات عاصفة تعرضت لها الجماعة بسبب مشاركتها في حفل السفارة الإيرانية، بينما مواقفها المعلنة تعارض بشدة الدور الإيراني المساند لنظام بشار الأسد في سوريا، بل تصف تدخلات طهران في لبنان ذاتها وبعض الأقطار العربية بأنها "غزو عسكري فارسي وطائفي". التبرير الذي ساقته الجماعة لم يرضي الرأي العام اللبناني، حيث قالت إن الزيارة "مجرد إجراء بروتوكولي، وأنه لا بعد سياسي لها، ولا تعكس بأي من الأشكال تغيراً في مواقف الجماعة تجاه السياسة الإيرانية".