فى حديث عمرو موسى مع بعض الفضائيات تباهى بأنه رجل دولة, دون أن يدرك الفارق الضخم بين (رجل الدولة), و(رجل السلطة), فقد عرفه المصريون حينما وضعه النظام المصرى فى مواقع المسئولية, فكان رجل سلطة، وهذا فى حد ذاته لا يقدح فيه, لكنه لا يجعله بالضرورة رجل دولة, كما أن أى خبرة تراكمت لمسئول فى ظل نظام فاسد مستبد قد لا تصلح كرصيد معتبر لنظام شعبى ديمقراطى, فالسيد عمرو موسى كان سكرتيرًا لمبارك بدرجة وزير خارجية ينفذ سياساته وينحاز لخياراته, ولا يجوز أن يضحك علينا أحد ويقول إنه ظل فى موقعه لمدة 10 سنوات, ومن قبلها فى مواقع دبلوماسية متعددة, وهو يعارض رئيسا مستبدا كان يستطيع الإطاحة به فى لحظة واحدة. ثم رشحه مبارك بعد ذلك ليكون عرابا لنظام عربى غلب عليه القمع والاستبداد والتبعية, فكان أسيرا له, ولعلنا نتذكر مشهد انسحاب رئيس وزراء تركيا (أردوغان) من مؤتمر دافوس اعتراضًا على حديث شيمون بيريز, فقام له عمرو موسى ليصافحه, وتصور وقتها الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون (وكان يجلس على يمين عمرو موسى) أنه سينسحب معه, فأجلسه فجلس!!, والمشهد موجود لمن أراد أن يطلع عليه.. وأحاديثه المسجلة عن انحيازه لمبارك على مقعد الرئاسة ثابتة, فأى رجل دولة هو؟ هل رجل الدولة، الذى له صلات ومعارف تكونت خلال فترة توليه مناصب متعددة؟ لو كان الأمر كذلك, ما ارتضت الأنظمة الديمقراطية على مستوى العالم أن تقدم كل يوم مسئولا جديدا,من أصغر المناصب لأرفعها. ثم نجده يتهكم على المرشحين الإسلاميين (أبو الفتوح – العوا – مرسى) بأنهم (مشايخ), وكأن كلمة (الشيخ) قد صارت معيبة, لكننا نقول إننا لا نخجل أن نختار لبلدنا (شيخًا) طالما أنه يتصف بالقوة والأمانة, بالجدارة والكفاءة, بالعلم والتجربة.. كما أن الثلاثة ليسوا شيوخًا بالمعنى الدارج للكلمة فلم يتصدوا يومًا لعمل إفتائى أو وعظى مباشر.. وإذا تأملنا موقف المرشحين الإسلاميين الثلاثة نجد أن د.العوا رجل فكر, ود.مرسى رجل تنظيم, ونحسبهما من الأخيار, ولعل أكثرهم خبرة بالعمل العام وأكثرهم حنكة ودراية، هو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, وهو رجل دولة بامتياز, بدأ حياته السياسية نشطا غيورا على دينه ووطنه, فعرفته مصر كلها فى السبعينيات مجاهرًا بكلمة الحق فى وجه الرئيس السادات (رحمه الله) قبل أن يعرف المصريون أحدًا من كل مرشحى الرئاسة، بما فيهم عمرو موسى, وقد تبدت مظاهر القيادة على أبى الفتوح بشكل مبكر, فكان اختياره رئيسا لاتحاد الطلاب, واختاره المرشد الرائع عمر التلمسانى عضوا بمكتب إرشاد أكبر جماعة دعوية, ولم يحبس نفسه فى التنظيم, بل تنقل فى مواقع العمل العام فى نقابة الأطباء واتحاد الأطباء العرب ليقود قوافل الإغاثة للمصريين فى وقت زلزال مصر حتى قالت الصحف الأجنبية أن جهود الإغاثة تلك كانت أسبق وأشمل من جهود السلطة, ثم قام بتوجيه جهود الإغاثة لفلسطين والبوسنة والصومال وأفغانستان وغيرهم.. وظل يعمل داخل مصر وخارجها متواصلا مع الناس فى أعمال الخير والدعوة, وابتُلى فى سبيل ذلك، كما لم يُبتل أى أحد من كل مرشحى الرئاسة؟ فمن منهم قضى خمس سنوات (دفعة واحدة) خلف الأسوار مثله؟ إن أبا الفتوح الذى كتب خطابًا رائعًا علنيًا لأوباما بعد أن ألقى خطابه فى جامعة القاهرة قد حقق التواصل الصحيح، الذى يعتمد على الإشادة فى موقع الإشادة دون تجاهل الثوابت, ومن انتقده يومئذ يتواصل (الآن) مع الأمريكان فى غرف مغلقة (فى الداخل والخارج). ومن انتقده حين كان يتواصل مع الأدباء والمفكرين نجدهم يقومون بنفس الفعل الآن, بل ويكتبون فى برامجهم احتراما للسينما والأدب والفن (وليس فى ذلك حرج) أما رجل الدولة أبو الفتوح فقد فعلها بأفق مبكر.. إن رجل الدولة هو من ليس فى رقبته دين لسلطة (أى سلطة) قامت برفعه للمنصب, ومن ثم يكون للوطن كل الوطن, بتنوعاته وتعدد مشاربه, فهو من تصعد به (فقط) مواقفه وأفعاله وحب الناس له ليكون جديرًا بثقتها. إنه يمثل القيادة المُختبرة فى العمل العام بتراكم السنين والمواقف, وهو من دفع ثمنًا أكثر من غيره فى سبيل ما يؤمن به ويعتقده, وليس هو الرجل الذى ما عرفه الناس إلا عن طريق سلطة (أى سلطة). [email protected]