معظم مشكلات مصر الحيوية، إن لم تكن جميعها، تعود إلى أزمة (إدارة) مزمنة أنتجها السلوك السياسى لنظام ما قبل الثورة، وإدارة عملية النهضة لا تحتاج إلى أكثر من استقرار سياسى ديمقراطى، يمهد لاستثمار الطاقات والموارد المتاحة، فى ظل دولة تستمد عدلها وحيويتها ونهضتها من سيادة فكرة القانون. لذا كان بديهياً أن يقدم لنا مرشحو الرئاسة برامجهم الانتخابية، وكان طبيعياً أيضاً أن (نتجاهل) عدم منطقية تلك البرامج لعدم معرفتنا بما يخبئه القدر من صلاحيات الرئيس المقبل، فى الجمهورية الثالثة التى لا نعرف لها رأساً من ذيل، وهل ستكون رئاسية كما يريد عمرو موسى، أم مختلطة كما يريدها أبو الفتوح، أم برلمانية كما يريدها الإخوان! وكانت بوصلة قطاعات كبيرة من الجماهير تسير بناء على التوجس من هذا الخطر المحدق فى اتجاه التوفيق بين المرشحين الإسلاميين والثوريين لمواجهة مرشح العسكرى (الفلولى) المتوقع؛ لأن القضية الحقيقية هى اقتلاع النظام القديم من المشهد السياسى بلا رجعة، ولم تكن فكرة (البرامج الرئاسية) ذات بال لدى القوى السياسية المختلفة، لكنها كانت ضرورية لزوم (الديكور) المرتبط بالانتخابات! ثم جاءت السلوكيات الإخوانية لتربك المشهد السياسى بأسره، وجاءت مطالبات بعض الأصوات السياسية للإخوان بالانسحاب من المشهد الانتخابى الرئاسى للوصول للهدف المنشود، لتواجهه اتهامات بمحاولة إقصاء حزب الأغلبية من المشهد! ثم محاولة مستميتة لتبرير الانتقال الإجبارى من الشاطر إلى مرسى بالزعم بأن الهدف ليس شخصياً وليس (تكويشياً)، إنما هو خالص لوجه مصر، وفى حب ترابها، لتنفيذ (مشروع النهضة)! فمروراً بتصريحات الجماعة بالامتناع عن دعم مرشح إسلامى، ثم ضرورة دعم مرشح ذى مرجعية إسلامية، ثم البحث عن مرشح توافقى، مثل الغريانى أو البشرى، ثم ترشيح الشاطر ثم مرسى؛ كانت جميع القوى السياسية تتكلم عن (استخلاص السلطة) من العسكرى بأى وسيلة، فى حين يقف الإخوان أمام مرآة الذات المقعرة، لتتكلم الجماعة بأن استخلاص السلطة لابد أن يكون لها وحدها، إن كان هناك استخلاص للسلطة أصلاً! أما الحديث عن ضرورة التوافق على مرشحهم الاحتياطى، بوصفه صاحب المشروع الإسلامى الوحيد؛ فقد صار مثيراً لمشاعر القلق التى ترى أن الإخوان يتعاملون مع الحالة السياسية بنفوسهم وعواطفهم التى لن تتقبل رئيساً وطنياً خارج الجماعة فضلاً عن أن يكون مفصولاً من مكتب الإرشاد، ومن ثم فإن عيونهم لا تريد أن ترى الخطر المحدق بالثورة بأسرها! وعقولهم لا ترغب فى أن تتفهم حجم الخطر إلا من خلال مصلحتها الخاصة، والتوجيهات العليا القادمة من (المقطم)! وبالنسبة لملامح (مشروع النهضة)، فإضافة إلى عدم منطقيته مثل باقى البرامج الانتخابية، فإنه لا يمثل فى حقيقته أكثر من (افتكاسة) كبرى، ذلك أن الناس غير مطالبة بتصديق أن النهضة مرهونة بتسع صفحات (فلوسكاب) من الكلام الإنشائى الخطابى الذى يخلو من أى رؤية تنفيذية، إضافة إلى أن أخطاء (مشروع النهضة) اللغوية والكتابية والأسلوبية لا تدل على ذاتها أكثر مما تدل على أن صفحات هذا المشروع قد تم (سلقها) بسرعة تحت (سلّم) مكتب الإرشاد، لتبرير تحول الجماعة الاضطرارى من العبقرى (خيرت الشاطر) التى استنفدت طاقتها فى مدحه ووصف مناقبه وقدراته الخارقة لتحويل التراب إلى ذهب، إلى مرشحها (الاحتياطى) بحجة أنهم يتقدمون بمشروعات لا بأشخاص! الإخوان يستطيعون أن يقدموا مشروعاً حقيقياً للنهضة دون (افتكاسات) ومبالغات تروج بأن تلك الأوراق المهلهلة أسلوبياً ومنهجياً هى عصارة جهد سنوات طويلة قام عليها 1000 خبير فى كل المجالات! ونتاج عشرات الرحلات الدولية المكوكية! أو الأحاديث المحلقة حول نقل تجارب ماليزيا وتركيا، وأيضاً دون المزايدة بأنهم أصحاب المشروع الوحيد ذى (المرجعية الإسلامية)، فهى الأخرى – أى المرجعية الإسلامية - عبارة فضفاضة جداً أوصلت مرشح الجماعة (الإسلامى!) أن يتحدث بغرابة شديدة فى إحدى الفضائيات عن بعض الحدود المقررة فى القرآن الكريم - وهو: حد قطع يد السارق - بأنها ليست من الشريعة الإسلامية، إنما هى مجرد أحكام فقهية! [email protected]