إذا صدقنا عدم وجود صفقة بين المجلس العسكرى والإخوان، منذ سقوط مبارك، وإذا افترضنا أن العسكرى ارتكب أخطاء فى إدارة الفترة الانتقالية فإنه استفاد من أخطائه وجدل حبلا ناعمًا وتركه للإخوان ليقوموا هم بلفه حول رقبتهم، وهو بعيد وبرىء ليكون بذلك قد ضرب القوة الشعبية المنظمة والمؤثرة والمنافسة له باعتباره القوة المادية على الأرض، ذلك أن مصر وقعت منذ الثورة بين هاتين القوتين. كيف حدث ذلك؟ أولا: غسل المجلس جانبًا من سمعته التى تضررت كثيرا بالانتخابات البرلمانية، التى وفر لها عوامل النزاهة دون تدخله فيها وترك الأحزاب تتصارع وتتقاذف الاتهامات، بينما حصل هو على شهادة الحياد والنجاح. ثانيا: لم يتدخل فى تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور وترك الإخوان يستعدون الجميع عليهم ويسحبون من رصيدهم، وكان العسكرى فى غاية السعادة، وهو يستمع لدعوات من كانوا يطالبون بإسقاط حكم العسكر بالتدخل لإجبار الإخوان على عدم الاستحواذ عليها أو بإصدار إعلان دستورى جديد لتشكيل لجنة من خارج البرلمان.. مطالب أعداء العسكرى بالأمس وصلت إلى حد التحريض له اليوم على الإسلاميين لحل مجلسى الشعب والشورى لإفقادهم الأغلبية التى تمكنهم من إعداد دستور غير متوافق عليه، لكن العسكرى لا يصغى لهم فيضرب عصفورين بحجر الأول يقول فيه للإخوان إن هناك قوى عادت واصطفت إلى جواره وأنه ليس مكشوفا، والثانى أنه يرفض الانقلاب على الديمقراطية وغير طامع فى السلطة، وهذا لابد أن يجعل الإخوان يفهمون رسائله السابقة عبر يحيى الجمل وعلى السلمى بوضع مميز فى الدستور وعدم الاقتراب من استثمارات الجيش الخاصة. ثالثًا: تلقى الإخوان ضربة عنيفة بإبطال المحكمة تشكيل لجنة تأسيس الدستور، وهذا يسعد العسكرى جدًا فقد تحقق له ما كان يريده لكن من دون تدخل منه حيث يضعف موقف الإخوان ويصعب عليهم أن يشكلوا تأسيسية جديدة إلا برضا مختلف القوى السياسية، وبعد أن كانت لهم اليد الطولى فإنهم سيقدمون تنازلات مرغمين. ثالثًا: ذروة اللعب السياسى للمجلس العسكرى ظهر فى رفضه تشكيل الإخوان للحكومة متحصنًا بالإعلان الدستورى ومفسدا كل حجج الإخوان بأنه لن يخرج عن الدستور مع أنه لو أراد فيمكن تجاوز البند الدستورى بتغليب المصلحة الوطنية وتكليف من يرشحه حزب الحرية والعدالة لتشكيلها. رابعًا: العسكرى ترك البرلمان يصول ويجول فيه الإخوان، بينما السلطة التنفيذية خارج أياديهم، ولا فائدة من الكلام بدون تنفيذ، والمصريون تصوروا أن انتخاب الإخوان سيحل مشاكلهم فورا فإذا بهم لا يجدون غير الكلام فى مجلس تم إغراقه بقضايا سياسية ولا تتعاون معه الحكومة.. لسان حال الناس يقول الآن ماذا فعل لنا الإخوان لقد ضحكوا علينا، وهذا خطير عليهم فى الشارع، وقد كتبت مرة أنه لو أجريت انتخابات جديدة فورًا لتراجعت نسبة نجاحهم بشكل واضح. خامسًا: قام الإخوان بأنفسهم بسلوك سياسى لم يصل أحد لتفسير مقنع له وهو ترشيح خيرت الشاطر للرئاسة ومحمد مرسى احتياطيًا له فى ظل أزمة التأسيسية ونقمة الناس، فاتسعت الهوة بينهم وبين القوى السياسية، وازداد حنق الشارع عليهم بفعل دعاية مضادة تتهمهم بالتكويش على السلطة كلها، ولذلك تتسع حدة المعارضة لهم ويواصل الإعلام الموجه حملته ليقوم بدور خطير فى عزل الجماعة واعتبارها حزبا وطنيا جديدا يجب إسقاطه بعد إلقاء كل مشاكل المرحلة الانتقالية على كاهلهم بالحق أو بالباطل. سادسًا: ليس مستبعدًا أن يكون العسكرى دفع عمر سليمان للترشح للرئاسة ردا على ترشح الشاطر، ثم لو تم سحب سليمان تحت أى ظرف، كما حصل فعلا فلا يكون بمفرده إنما يأخذ معه الشاطر وأيضًا أبو إسماعيل ويبقى محمد مرسى لكن حظوظه أقل من الشاطر. اختلطت كثير من أوراق الإخوان خلال الفترة الأخيرة فازداد الحصار حولهم وزادت جبهات معاركهم مع الفلول والعسكرى والأحزاب والقوى الوطنية، وبات عليهم ترميم علاقتهم بالفرقاء السياسيين بتقديم مزيد من التنازلات ولعل عودتهم للميدان كانت اعتذارا كبيرا منهم لرفاق الثورة عن مغادرته فى فترة ما. العسكرى يخطط ويستمتع بكسر القوة الشعبية الوحيدة القادرة على مواجهته واستنزافها من دون أن يواجهها أو يصطدم بها بل ويجد من يدعمه من خصوم الأمس لأن بعض أهدافهم تتلاقى معًا. هكذا يلعب العسكر سياسة فيها خبث شديد، لكن للأسف كل هذه التطورات السلبية والمعارك على السلطة تقف ضد مصالح الشعب، الذى يئن ويعانى كما تقف ضد وطن يدخل نفقًا مظلمًا.