«مشعل» و«دحلان» يفضلان توثيق العلاقات مع القاهرة.. و«القسام» تدفع باتجاه توثيق الصلات العسكرية مع طهران مرحلة دقيقة ومفصلية تمر بها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، سواء فيما يتعلق بخيارات الحركة الإستراتيجية، أو مساعيها لترتيب العلاقات مع القوى الكبرى في المنطقة، وفي مقدمتها مصر، وإيران، وقطر، والسعودية؛ في ظل انتخاب قيادة جديدة للحركة، متمثلة في يحيى السنوار، الذي ينتمي ل "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري للحركة، والذي يميل إلى الاستمرار في الاحتفاظ بعلاقات مع إيران، بغرض تأمين إمداداتها من السلاح. غير أن خيارات الحركة في هذا الصدد تبدو شديدة الصعوبة، فالرهان على دعم إيراني عسكري لا يبدو سهلًا؛ في ظل حالة الغليان التي تسود علاقات طهران من جانب، وواشنطن والرياض من جانب آخر، وخاصة عقب دعوة واشنطن إلى تشكيل ناتو "عربي – أمريكي"، على غرار حلف شمال الأطلسي "الناتو"؛ لمواجهة التحديات أمام الولاياتالمتحدة وحلفائها، ومن بينها مصر، الأمر الذي قد يدعو "حماس" إلى التريث قبل اتخاذ قرار إستراتيجي في اتجاه تعزيز العلاقات مع إيران. كما أن ميل الجناح العسكري للحركة ناحية إيران سيكون له عواقب وخيمة، إذ ستواجه إمكانية خسارة علاقات قوية مع الجار المصري أو السعودية التي تمر علاقاتها بإيران بأسوأ المراحل منذ اندلاع الثورة الإيرانية؛ خاصة أن الدعم العسكري الإيراني على أهميته لن يكون قادرًا على تلبية احتياجات القطاع المحاصر من غذاء ودواء ووقود لتشغيل محطات الكهرباء التي هدد توقفها نهاية عام 2016 بإضعاف قبضة "حماس" على قطاع غزة. وتسود تباينات حاليًا داخل "حماس"، فالجناح السياسي بالحركة، بقيادة خالد مشعل، وإسماعيل هنية، وبدرجة متفاوتة يحيى السنوار، يرى أن تقوية العلاقات مع مصر أو وضعها - على الأقل - على المسار الطبيعي يشكل أولوية للحركة، فالقاهرة تبدو الطرف الوحيد القادر على ضمان استمرار الحياة داخل القطاع؛ سواء عبر تخفيف الحصار المفروض على المعابر، أو السماح بدخول كميات كبيرة من السلع التموينية، أو الحديد أو الأسمنت، بشكل يستطيع معه القطاع تلبية احتياجاته الأساسية، وتخفيف حدة الأوضاع الاقتصادية المضطربة التي أقرت بها الحركة في بياناتها الأخيرة. غير أن التيار الداعم لعلاقات أوثق مع مصر قد يضطر إلى تقديم تنازلات للقاهرة، قد لا يستطيع محور "مشعل - هنية" تمريرها داخل الحركة، وخاصة في أوساط الجناح العسكري، نظرًا لأن "حماس" ليست بحاجة إلى الدخول في مواجهات مع التيارات السلفية الجهادية داخل غزة، والتي تطالب القاهرة بتسليمها عددًا من عناصرها. وهذا الأمر قد لا يحظى بقبول داخل الجناح العسكري، لاسيما أن القائمة تضم أيضًا عددًا من عناصر "حماس" التي تتهمها القاهرة بالتعاون مع تنظيم "ولاية سيناء" - "بيت المقدس" سابقًا - الموالي لتنظيم "داعش"، بل قد يمتد الأمر إلى مطالبتها بتسليمها عددًا من قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" المتواجدين في غزة، حسب تقارير استخباراتية. لا تقف المطالب المصرية، بحسب السفير الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، عند هذا الحد، فالقاهرة تسعى لانتزاع مواقف داعمة من الحركة؛ لطموح حليفها القوي محمد دحلان في صراعه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي تسود علاقاته بالقاهرة حالة برود منذ أشهر، تمثلت في القطيعة مع القيادة المصرية. فضلًا عن تقديم تسهيلات لدحلان، ورجاله تمثلت في المؤتمرات التي رعتها القاهرة لخصم عباس، في مقابل منع القاهرة وفدًا رفيع المستوى من حركة فتح، بقيادة جبريل الرجوب من دخول أراضيها، في رسالة غضب مصرية؛ على قيام أجهزة الأمن التابعة لعباس بتوقيف عدد من رجال دحلان في الضفة الغربية. وأشار الأشعل إلى أن "علاقات حماس والقاهرة تتخللها مساحات توتر بين الحين والآخر، فمثلًا القاهرة قصفت عدة أنفاق بين غزةوسيناء؛ ما أوقع عددًا من القتلى في الجانب الفلسطيني، فضلًا عن وجود تباين حول عدد من الملفات، ومنها توطين الفلسطينيين في سيناء، والمصالحة مع حركة فتح، وطموحات محمد دحلان، حيث تعمل القاهرة على إيجاد قنوات اتصال بين حماس ودحلان؛ لتعزيز موقفه في ملف خلافة عباس، وهو ما لم يصل الطرفان إلى قواسم مشتركة حوله حتى الآن". في السياق ذاته، تبدو "حماس" بحاجة إلى وجود قنوات اتصال مع القاهرة في عدد من الملفات، منها استمرار التهدئة مع إسرائيل، والتدخل للجم تحريض اليمين الإسرائيلي المتطرف تجاه سيطرة الحركة على القطاع. إذ تستطيع القاهرة التدخل لاستمرار أجواء التهدئة، وعدم عودة إسرائيل لمهاجمة القطاع كما جرى نهاية عام 2014، فضلًا عن الدخول على خطى الوساطة بين إسرائيل و"حماس" فيما يتعلق بصفقة تبادل أسرى؛ في ظل احتفاظ الحركة بأسيرين إسرائيليين منذ الحرب الأخيرة على غزة، ورغبتها في إبرام صفقة على شاكلة صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير، جلعاد شاليط. ومع كل هذه الملفات المعقدة، فإن هناك صعوبات تقف أمام تحديد "حماس" خياراتها، فالرهان على دعم عسكري إيراني سيضع الحركة في مواجهة قوى فاعلة إقليمية مثل مصر، والسعودية، وتركيا؛ رغم اختلاف توجهات الأطراف الثلاثة. وبحسب الدكتور طارق فهمي، مدير وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، فإن "هذه المواقف المتشابكة ستدفع حماس إلى التريث وإبقاء النوافذ مفتوحة على الجميع، فرغم كل شيء تبقى القاهرة الحاضنة الأساسية للقطاع، وصاحبة المفاتيح في أي انفتاح عليه؛ في ضوء الصلات التاريخية وثقل مصر، وتحكمها في مفاتيح معبر رفح؛ لذا فالرهان يجب أن يكون على القاهرة في المقام الأول، وهو ما ظهر بشكل جلي في تصريحات "السنوار"، الذي ثمّن الدور المصري، مشددًا على أهمية الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع القاهرة". وقال فهمي، إن "القاهرة تبقى نافذة مهمة لضبط العلاقات بين حماس وإسرائيل، لاسيما أن إسرائيل لم تجد غير القاهرة لتشكو إليها هيمنة الصقور، وجناح عز الدين القسام، واللوبي العسكري على الحركة بعد انتخاب "السنوار"، فضلًا عن أنها طالبت القاهرة بدور أكثر قوة في ملف الأسرى؛ بشكل يؤكد أن القاهرة ستعود كما كانت دائمًا القناة الأهم في رسم مستقبل القضية الفلسطينية وليس قطاع غزة فقط".