هل نعيش أزمة أخلاق؟، سؤال يفرض نفسه بقوة هذه الأيام في ظل المرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر بها مصر الآن، من فوضى وأعمال خطف، وبلطجة، وسرقة، وقتل، وقطع طرق، وكذب ونفاق، وخروج على القانون، وتخوين وتكفير، واحتدام الصراع على السلطة، وصدام بين القوى السياسية، وفوضى سباقات الرئاسة، والأهم من هذا كله سرقة الثورة من الشباب. هذا كله ليس حرية أو ديمقراطية أو حتى حالة ثورية، وإنما أزمة أخلاق مكتملة الأركان، ونحتاج إلى معجزة إلهية لاجتياز هذه الأزمة حتى ننهض ليكون لنا موضع قدم بين الأمم التي بدأت بعدنا وسبقتنا. أتصور أن هذه الأزمة نتاج 30 سنة من فساد واستبداد وظلم النظام السابق، الذي أحدث فروقاً اجتماعية رهيبة بين طبقات المجتمع المصري ونخبته السياسية، نتيجة لتراكمات سنوات طويلة، أدت إلى إفراز متغيرات كثيرة في تركيبته وبنيته الاجتماعية والسياسية، فمشكلتنا الآن بعد مرور عام وأربعة أشهرعلى قيام الثورة بنائية، أكثر منها انتخابية أو اختيار أعضاء تأسيسية الدستور أو تشريع قانون لعزل الفلول، أو خروج الشاطر وأبواسماعيل، وسليمان من سباق الرئاسة، وإنما كيف يمكن بناء دولة قوية اقتصادياً وسياسياً وعلمياً وتكنولوجياً وعسكرياً، تناطح القوى الإقليمية والدولية مناطحة الند للند، وتبسط نفوذها وتفرض كلمتها بعد هذه السنوات من "التغييب" عن الساحة. ماتحتاجه مصر الآن هو بنيان جديد يتوافق مع الحالة، بل الحياة الثورية التي أوجدتها ثورة 25 يناير، وليس أي شيء آخر، وهذا لن يتحقق إلا بالأخلاق، فالنهضة والتطور لايكونان بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، وإنما بسمو الأخلاق والتحضر والرقي والمبادئ والمثل العليا وبعاداتنا وتقاليدنا المصرية الأصيلة في المقام الأول والأخيرثم بالجهد والعمل . يا سادة تعالوا - للتذكرة فقط - نأخذ القدوة والمثل من النموذج الياباني الذي تكرر من جديد ونتعلم منه هذه المرة، فحتى وقت قريب كنا نتساءل: لماذا نهضت اليابان وأصبحت دولة عظمى في زمن قليل بعد أن دمرتها قنابل أمريكا الذرية عام 1945 خلال الحرب العالمية الثانية، بينما نحن تخلفنا عنها رغم أنها بدأت معنا في نفس التوقيت وربما بعدنا بقليل. النموذج الياباني تكرر من جديد، ففي الوقت الذي قامت فيه ثورة 25 يناير المجيدة ضرب زلزال مدمر اليابان في 11 مارس 2011، وقدر البنك الدولي خسائرها في حينها بحوالى 235 مليار دولار لتفوق ماخسرناه نحن جراء توقف الإنتاج في مصانعنا وشركاتنا، ومع ذلك في أيام قليلة نهضت اليابان من جديد، وعادت الحياة إلى طبيعتها، بينما نحن مازلنا عاجزين عن تشكيل تأسيسية الدستور أو استعادة أموالنا المنهوبة، أو حتى تصدير البطاطس!. اليابان مرة أخرى يا سادة يا كرام خرجت من محنتها ليس بفعل قوة اقتصادها ونفوذها العالمي فقط وإنما بسمو أخلاق شعبها وتحضره، فلم تحدث أي حالة بلطجة واحدة أو تخطف أو تغتصب سيدة واحدة أو قطع الطرق والسكك الحديد، ولم تحدث حالة سرقة واحدة، بل كان المواطنون يرفعون ماكينات الصراف الآلي التي أطاح بها الزلزال ويجمعون ما تبعثر منها من أموال في الشوارع ويعيدونها مرة أخرى، حتى المولات والمجمعات التجارية والبنوك، وجدوها كما هي دون نقصان، هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه إذا كنا نريد أن ننهض ونلحق بركب الأمم الكبرى. فالأحزاب والتيارات السياسية كل منهما الآن يبحث عن تحقيق مصالحه الذاتية على حساب مصلحة مصر، وكأن البلد كعكة، الكل يريد الحصول على نصيبه منها، كذلك من كانوا يسبّحون بحمد النظام السابق ليل نهار ويتغنون بإنجازاته في القمع والظلم والفساد، وهاجموا الثورة في بداياتها الأولى ووصفوا شبابها بأفظع الألفاظ، تحولوا بقدرة قادر إلى ثوريين وركبوا قطار الثورة السريع وزعموا أنهم من قاموا بها وأسقطوا الفرعون، وهذه هي أزمتنا أننا لا نقول الحقيقة ونضحك على بعضنا. فالثورة يا جماعة كما تعلمنا من دراستنا للعلوم السياسية يقترن معناها دائما وأبداً بمفهوم التغيير الشامل والجذري في الشكل والمضمون، بل هي استمرار على درب التغيير والتحول الشامل في حياة الشعوب، والأهم هنا والذي يتقدم على كل ذلك هو تغيير السلوكيات والعقول والمفاهيم التي بقيت كما هي جامدة متحجرة لم تستطع تحريك المياه الراكدة نحو تحقيق معنى ومفهوم الثورة ولا أهدافها، وبدون تغيير سلوكياتنا والتخلص من تراكمات ومساوئ النظام السابق لن نتقدم خطوة واحدة للأمام. من هنا يأتي دور المثقفين والنخبة، فالمرحلة التي تعيشها مصر الآن تستدعي التكاتف والاتحاد على هدف واحد وهو الأخذ بيد المجتمع المصري لعبور المرحلة الحالية لنجني معا ثمار الثورة ونضع مصر في المكانة التي تستحقها بين الأمم.