لا يمكن لعاقل أو واعٍ، ومدرك لحجم المسئولية، أن يتخيل قصة معلم اللغة العربية، الذي قضى معظم العام الدراسي، نائمًا بشكل يومي داخل الفصل، دون قيامه بمهام عمله، كمعلم مسئول، عليه حقوق وواجبات تتمثل في تهذيب وتعليم الطلاب، بل استغل - هذا المعلم - وقت الحصة التي - هي - ملك للطالب، لأجل الدخول في حالة نوم عميق!! كان الأستاذ "راغب" يدخل حجرة الفصل، فيبادره الطلاب – كالعادة – بالقيام، احترامًا لشخصه، فيُلقي السلام عليهم، ثم يأمرهم بالجلوس، وبعدها يمسك بإصبع الطباشير ليكتب عنوان الدرس، الذي لا يشرحه، ويضع بجواره تاريخ اليوم، ثم يكتب بعض الجمل، وبعدها يسرع نحو المكتب الخشبي الموجود داخل الفصل، ليضع رأسه عليه، ليذهب في حالة قيلولة وسُبات !! لم يفكر المربي الفاضل في أن يستيقظ مرة، ولو لجزء بسيط من الحصة، لشرح درس ما أو توضيح قاعدة نحوية يصعب على الطلاب فهمها، ولكنه استخف بالمسئولية الملقاة على عاتقه، ولم يتيقن من مراقبة ربه الأعلى، بل لم يسمع لصوت نفسه اللوامة، التي عاتبته بشأن حرمانه الطلاب من متعة تعلم اللغة العربية وبلاغتها وآدابها، ولكن الأستاذ راغب استند إلى حجج شيطانية، سولتها له نفسه، بكونه معلماً بمدرسة حكومية، ولا يوجد رقيب عليه أو محاسب له، فنام، وقلبه مُطمئن بالباطل، وخلع ثوب رسالة المعلم القدوة، وتناسى ثواب ضرورة إتقان العمل !! وعندما كان يعلو صوت الطلاب، أثناء نوم الأستاذ راغب، كان يستيقظ، غاضباً، منفعلاً، بسبب صُنعهم حالة ضجيج، وقطعهم للذة نومه وأحلامه، ثم ينهرهم بشدة، حتى يلتزموا الصمت والسكون الشديدين، رهبةً وفزعًا من نظرات معلمهم، وخوفاً من بطشه وعقابه !! تمر الأيام والشهور، ويبقى حال المعلم على ما هو عليه، لا يتغير ولا يتبدل، فالنوم يعقبه نُوم ونُعاس، وقيلولة وسُبات، حتى أن الأستاذ راغب دخل يومًا حجرة الفصل، والغضب يكاد يمزق وجهه العبوس، وكان قد علم بأن أحد الطلاب، قد اشتكاه إلى إدارة المدرسة، وأخبرهم بامتناع مُعلم اللغة العربية عن شرح مادته، ولجوئه إلى النوم داخل الفصل، وعندما عَلِمَ المعلم بتلك الشكوى، وجه رسالة شديدة اللهجة لطلاب الفصل، وأخبرهم بأنه طالما قد كتب بدفتر تحضيره بنود الدرس وعنوانه وأهدافه، فهو بذلك في أمان تام، عن أي مساءلة قانونية أو إدارية، سواء من جانب إدارة المدرسة، أو من أي لجان متابعة خارجية تتبع قطاع التعليم . كان الطلاب المساكين في حالة عجب شديد، من حديث معلمهم، عندما وصف مصر، بأنها مجرد دولة ورق وأختام وتوقيعات ليس أكثر، ولا يعني وزارة التعليم إن كان المعلم يشرح داخل الفصل من عدمه، فالتحضير الكتابي بالدفتر، هو الفيصل الوحيد بين عمل المعلم، أو تقاعسه عن مهام هذا العمل !! اضطر الطلاب لأن يستسلموا لإصرار معلمهم على عدم شرح دروسهم، بل سارعوا بالالتحاق بالدروس الخصوصية للأستاذ راغب، خارج المدرسة، حتى يعوضوا من فاتهم من دروس لم يشرحها لهم، حيث كانت حجرة الدروس الخصوصية تكتظ عن آخرها بالطلاب، لدرجة أن الأستاذ راغب، كان حريصًا على خروج طلابه بعد انتهاء حصة الدرس، في شكل فرادي ومثنى وثلاث، حتى لا يلحظ الجيران، أعدادهم الكبيرة، لأنه كان يخشي على نفسه من الحسد وأعين الناظرين . وليعلم الأستاذ راغب، صاحب سيرة النوم، أنه قد ظلم بفِعلته ثلاثة، فأول ظُلمه، هو تقاضيه مالاً، مُقابل عمل لم يعمله، وهذا المال سينفقه على نفسه وأهل بيته ولم يسأل نفسه، أهذا المال حلال أم حرام؟!، وثاني ظُلم لذلك المُعلم، هو ظُلمه لمستقبل طلابه، وحرمانهم العِلم ولذة التعلم والإبحار في لغة القرآن الكريم، وأما ثالث ظُلمه، فقد ظلم رسالة المعلم، وأساء لها، ولم يع أن تلك الرسالة السامية، لا تقل أهمية عن رسالة الأنبياء المُكرمين!!