لم تكد تمر أيام على إصدار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أوامر بالإفراج عن عدد من معتقلي الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح، إلا وظهرت مؤشرات جديدة حول أن الأوضاع في المملكة قد تنفجر في أية لحظة، خاصة بعد أن تجاوزت هتافات المحتجين "الخطوط الحمراء" فيما يتعلق بانتقاد النظام الملكي. ففي 20 إبريل، خرجت مظاهرة جديدة بمدينة الطفيلة في جنوب المملكة طالبت الملك عبد الله صراحة بإجراء إصلاحات أو التنحي، وذلك في سابقة من نوعها في تاريخ الاحتجاجات الشعبية بالأردن، حيث انتهت "هبة نيسان"، التي خرجت خلالها مظاهرات في مدن الجنوب في إبريل/نيسان 1989 وقتل فيها عدد من المتظاهرين بإلغاء الأحكام العرفية واستئناف الحياة الديمقراطية، لكنها لم تتطرق حينها لانتقاد الملك أو المطالبة بتنحيه. ولعل ما يضاعف من قلق النظام الأردني أن عفو الملك عبد الله في منتصف إبريل عن 31 ناشطا سياسيا اعتقلوا في مارس الماضي بتهمة الإساءة إليه لم يمنع توجيه أشد الانتقادات له منذ بدء حركة الاحتجاج في الأردن قبل عام، حيث لم يكتف المشاركون في مظاهرة الطفيلة بمطالبة الملك بالإصلاح أو التنحي، وإنما حذروه أيضا من مصير الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الأمر الذي يعني أن خطاب المحتجين يتحول شيئا فشيئا من إصلاح النظام إلى تغيير النظام. وقال ناشط من المفرج عنهم لوكالة الأنباء الألمانية إن النشطاء لا يرغبون في أن يحدث في الأردن ما حدث في ليبيا أو ما يحدث في سوريا، محذرا من أنه إذا لم يغير النظام نهجه قريبا، ستسير البلاد في هذا الاتجاه. وكانت قوات الأمن الأردنية اعتقلت 31 ناشطا في مارس الماضي، معظمهم من الطفيلة "نحو 179 كلم جنوب عمان" بسبب ترديد شعارات اعتبرت إهانة للملك، وهو أمر من المحرمات في الأردن ويشكل انتهاكا لقانون العقوبات في البلاد. واتهمت محكمة أمن الدولة الأردنية ستة من قادة حراك مدينة الطفيلة المعتقلين بالمشاركة في مواجهات بين عاطلين عن العمل وقوات الدرك في 6 مارس الماضي وقيامهم بإطالة اللسان على الملك وإثارة الشغب. وأوقفت المحكمة نفسها مطلع إبريل 13 من المشاركين في اعتصام أقامه ناشطون في منطقة الدوار أمام مبنى الحكومة للمطالبة بالإفراج عن معتقلي حراك الطفيلة، حيث فضت قوات الدرك الاعتصام بالقوة قبل أن تعتقل النشطاء وتحيلهم لمحكمة أمن الدولة التي وجهت لهم تهم إطالة اللسان والعمل على تقويض النظام الملكي وهو ما قد تصل عقوبته إلى السجن عشرة أعوام، هذا فيما اتهمت جماعات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية، الحكومة الأردنية باستخدام قانون صارم لإسكات المعارضين السياسيين. وفي منتصف إبريل، أمر الملك عبد الله بالإفراج عن عدد من معتقلي الحراك الشعبي، وهم ستة من حراك مدينة الطفيلة و13 من معتقلي اعتصام الدوار في العاصمة عمان، إضافة إلى 12 متهما بإثارة الشغب من أبناء الطفيلة أيضا. ورغم أن الملك عبد الله أعلن أن الإفراج عن معتقلي الحراك في منتصف إبريل جاء في إطار التزامه بدعم الحركة المطالبة بالإصلاح في المملكة، إلا أن نشطاء اعتبروا أن الإفراج عنهم جاء استجابة للحراك الشعبي والضغوط الدولية، خاصة بعد تردد أنباء عن تعذيب بعض المعتقلين . ففي 9 إبريل ، ذكّر شبان أردنيون الملك عبد الله بمصير الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ورؤساء خلعتهم شعوبهم في "الربيع العربي"، وذلك في اعتصام أقامه ناشطون تضامنا مع معتقلي الحراك المتهمين بإطالة اللسان على الملك. وفي الاعتصام الذي أقامه الحراك الشبابي الإسلامي وأحرار الطفيلة وتجمع جرش للإصلاح أمام مبنى الحكومة، علت أصوات شبان بهتافات "يا عبد الله يا ابن حسين.. يا بتصلح الحين.. يا بتلحق زين العابدين"، و"كان يا ما كان.. حسني مبارك مع سوزان.. والقذافي والجرذان.. وبن علي وليلى كمان.. وعلي صالح الجبان.. وبشار انخلع ودوا.. حضر حالك ياللي بعدو". واللافت إلى الانتباه أن غضب النشطاء الشباب لم يظهر في الهتافات فقط، بل رفعوا أيضا يافطات كتب على أحدها "فقط في الأردن.. تضرب وتعذب على إطالة اللسان.. وتكافأ على إطالة اليد"، في مؤشر يقارن بين اعتقال نشطاء الحراكات الشعبية وتبرئة من يراهم الشارع مسئولين فاسدين يستحقون السجن. وطالت الهتافات أيضا دائرة المخابرات العامة التي باتت تتعرض لهجوم من النشطاء الذين يرون فيها الجهاز الذي يقود مقاليد الأمور في البلاد، وسمع من الهتافات "عيب عالمخابرات روح رجعوا الفوسفات"، في إشارة للشركة الوطنية التي تواجه صفقات خصخصتها تهم الفساد واتهمت لجنة برلمانية وليد الكردي زوج الأميرة بسمة عمة الملك عبد الله وعددا من المسئولين الكبار بالضلوع فيها. ورغم أن الحكومة الأردنية أعلنت مؤخرا عن إحالة المسئول الأول في شركة الفوسفات وليد الكردي للقضاء بتهم فساد بقيمة تصل لأربعين مليون دينار، إلا أن ما أجج الاحتجاجات في المملكة هو رفض مجلس النواب في مارس الماضي إحالة مسئولين سابقين للقضاء على خلفية الفساد الذي شاب ملف خصخصة شركة الفوسفات، من بينهم رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله ورئيس الوزراء السابق معروف البخيت، هذا بالإضافة إلى الاستياء الشعبي المتصاعد إزاء رفع الأسعار. وبصفة عامة، فإن الأوضاع في الأردن وصلت إلى مرحلة خطيرة جدا في ظل تخطي شعارات الحراك الشعبي "الخطوط الحمراء " فيما يتعلق بانتقاد الملك عبد الله الثاني وعقيلته الملكة رانيا وولي العهد الأمير حسين وجهاز المخابرات العامة، بل ولم يستبعد كثيرون تحول الحراك قريبا إلى صدام مع النظام في حال أصر على اعتماد الحل الأمني دون إدخال إصلاحات حقيقية.