الحركة الإسلامية قدمت تضحيات جمة فى النضال ضد النظم الشمولية، وعلى فترات كانت هناك مراجعات نقدية تجريها فصائل داخل الحركة دون الأخرى، ولا يستفيد ولا تنتفع بها باقى الفصائل مما يؤدى إلى إعادة التجربة والعودة من جديد إلى المربع صفر، وما إن ينتهى فصيل إلى ضرورة نبذ العنف وضرورة الانخراط فى النضال السياسى السلمى حتى يبدأ فصيل آخر فى الانخراط فى الصدام واستخدام السلاح، فتبدو الحركة بفصائلها وكأنها جزر معزولة عن بعضها البعض فلا قنوات اتصال ولا اطلاع على إنتاج الآخر الفكرى ولا استفادة من تجارب الفصائل الأخرى.. راجع الإخوان بشكل أو بآخر تجربتهم مع عبد الناصر لكن الجماعة الإسلامية أبت الاستفادة من تلك التجربة المهمة فبدأت من الصفر وخاضت تجربتها الدموية العنيفة فى التسعينيات لتنتهى إلى نتائج مشابهة لما انتهى إليه الإخوان قبلهم بسنوات طويلة. واليوم صار لدينا تراجم خبرات وتجربتان عريضتان لفصيلين كبيرين من فصائل الحركة الإسلامية، وبالرغم من ذلك نلمح اليوم مؤشرات لإمكانية العودة إلى المربع صفر للمرة الثالثة على مدار قرن من الزمان، فلغة الوعيد والتهديد بالدم التى انطلقت من بعض فصائل التيار السلفى فى خضم الصراع السياسى القائم على الاستحقاق الرئاسى، تؤكد أن تلك الفصائل لا تعترف، وتأبى الاستفادة من تجربتى الإخوان والجماعة الإسلامية. الانخراط فى العنف من جديد لا يفيد الحركة الإسلامية إنما يصب – كما هو الحال دائماً – فى مصلحة التيارات العلمانية واليسارية، وتلك هى لعبتهم التاريخية، التى لا يربحون بغيرها المواجهة مع الإسلاميين، فليس أمامهم غير إيقاع الإسلاميين فى فخ العنف والصدام المسلح ليتمكنوا من أسر الوحش الإسلامى وتقييد حركته. على الإسلاميين أولاً الاطلاع على تاريخهم جيداً والاستفادة من تجارب من سبقوهم، وعليهم أن يمارسوا اللعبة السياسية بأدواتها؛ فالسياسة حروب ومعارك ضارية وضربات موجعة، ولكنها حروب بدون سلاح وبدون عنف وبدون دماء، وما داموا قد وصلوا إلى هذه المرحلة من القوة فى الشارع السياسى فليتوقعوا الضربات والصدمات؛ ف"تاج القيصر لا يمكن أن يحميه من الصداع "كما يقول المثل الروسى، وليردوا الضربات بمثلها، فالسياسى العاجز هو من يلجأ للرد الدموى. قد تكون سياسة الحسن بن على رضى الله عنهما مناسبة ومهمة فى بعض المراحل بالنظر إلى أن الإسلاميين ليسوا وحدهم بالساحة، وقد يكون تعاظم هيمنتهم ونفوذهم فى السلطة أضعافاً مضاعفة مضراً بهم وفى غير صالحهم، وقد يكون تنازلهم عن بعض المكاسب فى صالح الحفاظ على بعض ما حققوه سابقاً. إلا أن هناك على ما يبدو ولع داخل الحركة الإسلامية بمصر بسياسة الحسين رضى الله عنه – إن جاز أن نسميها سياسة، فقد كان رضى الله عنه يتعامل مع الواقع والمستقبل على أنه قدر مقدور، وأن كربلاء واقعة لا محالة وألا مهرب من المحنة ولا بديل عن المسير نحو المواجهة والصدام مهما كانت التبعات. تذكرنا ونحن نتابع تهديدات بعض فصائل التيارات السلفية بالدم بعد إقصاء الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، ما قاله الحسين رضى الله عنه لأخيه محمد: "أتانى رسول الله بعدما فارقتك وقال يا حسين اخرج، فان الله شاء أن يراك قتيلاً، فقال له أخوه محمد: إن كنت تخرج للقتل فما معنى حملك هذه النسوة؟ فقال الحسين: لقد شاء الله أن يراهن سبايا! ورغم نصائح الكثيرين من أهل العلم والرأى والسبق له بعدم الخروج، وفى طريقه إلى الكوفة قال الحسين لأحد أنصاره: ليس يخفى على الرأى، ولكن الله لا يُغلب على أمره. إنها كربلاء الإسلاميين التى لا تنتهى.