الذي يطرح الأسئلة العميقة باستمرار، لا يقدم لنا معرفة نتعلمها، لكنه في الحقيقة يجبرنا على التأمل والتفكير، وذاك طريق العلم. الأسئلة، وإن لم تكن تزودنا بمعلومة مباشرة، فإنها تحث على البحث، وهي في الحقيقة تعكس مستوى وعلمية السائل، وطبقات السائلين هي مثل طبقات المتعلمين. فالمبدئ في العلم أسئلته ابتدائية في المعرفة وأكثر عمومية، والمتوسط أسئلة أكثر ارتقاءً وتفصيلاً، والمتقدم في العلم أسئلة عميقة ودقيقة. وأفضل مجال لتنمية العلوم هي حينما تكون الأسئلة أكثر عمقًا وأكثر دقة، وبكثرة التعرض لمثل هذه الأسئلة من قبل الشيخ أو الأستاذ والبحث فيها ينمو علمه. والأسئلة كما أنها تعكس علمية الشخص فإنها تعكس كذلك شخصيته، فالشخصية المتذبذبة والمترددة والمشوشة تنعكس في أسئلة وطريقة طرحها. الجو الحر والحوار المفتوح في الفضاءات العامة لطلب العلم أو الدوائر الخاص للبحث ينمي روح طرح الأسئلة ويوجهها ويشبع نهمها بالإجابات الشافية. والأسئلة العميقة والمثرية متوقعة من طالب العلم العميق والباحث الجاد، وأسئلة هؤلاء ثمينة للغاية، على الشيخ أو الأستاذ أن يحرص عليها وينميها. وأفضل وسيلة لتنمية وتطوير هذه الروح الشغوفة للتعلم بين المتعلمين هو الأستاذ نفسه، بطرحه الأسئلة النموذجية، وترك الفرصة للطلاب للإجابة. الأسئلة في جو من الحرية العلمية تنمي آفاق المتعلم والشيخ معًا، فربما يلمح التلميذ في الدرس بعض الجوانب التي قد تغيب عن أستاذه وشيخه. والمفترض أن يفرح الشيخ والأستاذ -وهذا عزيز وجوده- بالأسئلة الدقيقة والعميقة التي لا يعرف إجابتها، لأنها أفضل وسيلة لتجديد عهده بالبحث والتقصي.