أنهيت مقالى أمس بالتأكيد على أن هناك الكثير من الملفات المهمة للغاية التى تتعلق بحياة وصحة ومستقبل الملايين من المصريين , ولكن من المؤسف أنه رغم سخونة هذه القضايا وخطورتها فإنه لا يتم التعامل معها بالإهتمام المطلوب حيث يتم الإستماع لبيان مكتوب من الوزير المختص أو من يكلفه بحضور إجتماع اللجنة , وينتهى الإجتماع بدون وضع حلول وضوابط محددة للتعامل مع القضية التى يتم طرحها للنقاش . وبالإضافة إلى الملفات التى سبق الإشارة اليها , نشسر إلى أن نفس الوضع ينطبق على جميع أعمال اللجان النوعية بمجلس النواب , والدليل على ذلك أننا لم نجد إجابات وافية على تساؤلات أعضاء لجنة الشئون الإقتصادية للدكتور محمد على مصيلحى وزير التموين والتجارة الخارجية، بشأن قرارات زيادة أسعار السلع التموينية مما أدى إلى غضب شعبي تجاه زيادة هذه الأسعار وفي هذا التوقيت حيث أنه من المعلوم سابقاً أنه تم توفير مبلغ مليار و800 مليون دولار (قبل تحرير سعر الصرف) بناء على توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى بتوفير السلع الإستراتيجية لمدة 6 أشهر قادمة. وهنا نتساءل : ما أوجه انفاق مبلغ المليار و800 مليون دولار التى خصصها الرئيس السيسى لدعم السلع الأساسية ؟ ومتى يتوقف مسلسل الإرتفاع الجنونى للأسعار فى مصر ؟. ويرتبط بنفس القضية الملف الذى فتحته لجنة الطاقة والبيئة فى إجتماع خاص هذا الأسبوع لمناقشة طلب الإحاطة المقدم من النائب حسن خليل، بشأن ارتفاع أسعار الكهرباء بما لا يتفق مع الاستهلاك في فصل الشتاء مما يدل على أن الفواتير يتم طبعها دون النظر إلى قراءات العدادات. وطالما نتحدث عن الأسعار فلا يمكن أن نتجاهل طلب الإحاطة المقدم من النائب محمود حسين، بشأن رفع رسم العضوية بمركز شباب الجزيرة والذى ناقشته لجنة الشباب والرياضة برئاسة محمد فرج عامر هذا الأسبوع , وهو الملف الذى يدفعنا للتساؤل : لماذا تمت المغالاة فى أسعار عضوية مركز شباب الجزيرة والتى وصلت إلى 30 ألف جنيه للعضوية رغم أن المركز تابع لوزارة الشباب وتم انفاق أكثر من 400 مليون جنيه من أموال الشعب على أعمال التطوير به ؟ ومتى يشعر الوزير خالد عبدالعزيز بحال الغلابة ويمنحهم فرصة للحصول على عضوية هذه المراكز والأندية التى تقام ويتم تطويرها بأموال الشعب أم أنها ستظل حكراً على أولاد الأكابر . ولذلك أؤكد من جديد على أنه توجد فى مجلس النواب العديد من القضايا والملفات الشائكة التى يتم ( كروتتها ) وعدم التعامل معها بقدر واف من المناقشة والدراسة ووضع حلول للمشاكل والأزمات التى تهدد حياة المصريين فى حاضرهم ومستقبلهم .
وفى هذا السياق أشير إلى أن هذه حقائق واضحة وجلية على أرض الواقع وليست مجرد أراء شخصية كما قد يتصور البعض , حيث كشفت دراسة مهمة صدرت مؤخراً بعنوان " البرلمان المصرى : بيئة ضاغطة وفرص مهدرة " أنه فيما يتعلق بالدور الرقابى للمجلس، فإنه لم يختلف كثيرا فى درجة ضعفه رغم تعدد أدواته عن الدور التشريعى ، فلم يشهد دور الإنعقاد الأول مناقشة أى استجواب للحكومة، حيث عمد رئيس البرلمان د. على عبدالعال إلى عدم مناقشة 11 استجوابا قدّمها النواب فى دور الانعقاد الماضى، بشكل مخالف للمادة 130 من الدستور، التى نصّت على مناقشة الاستجواب بعد 7 أيام من تاريخ تقديمه، وبحد أقصى 60 يوما، منها سبعة استجوابات ضد وزير التموين السابق خالد حنفى، بشأن فساد منظومة القمح، وثلاثة آخرين ضد وزير التعليم الهلالى الشربينى، بشأن تكرار وقائع تسريب الامتحانات. فيما كان استخدام بقية الأدوات الرقابية مثل طلبات الإحاطة والأسئلة محدودا بشكل ملحوظ ولا يتناسب مع التخبط الواضح فى الأداء الحكومى، وعلى الرغم من أن البرلمان واجه هجوما من الرأى العام أثناء مناقشة برنامج الحكومة، إلا أنه صوت على الموافقة عليه فى غياب ثلث النواب، ولم يرفض بيان الحكومة سوى 39 نائبا من بين أعضاء تحالف 25-30، وعلى الرغم من أن عدد الأسئلة الموجهة من النواب للوزراء بلغت 472 سؤالا خلال دور الانعقاد الأول، إلا أن ما تمت الإجابة عليه شفهيا داخل قاعة المجلس كان فقط 45 سؤالا، وفيما يتعلق ببقية الأدوات الرقابية وصلت طلبات الإحاطة إلى نحو 2200 نظر منها المجلس نحو 324 طلبا فقط ، و 1000 بيان عاجل لم ينظر منها المجلس سوى 265، وإحالة 31 بيانا إلى اللجان النوعية، كما ناقش المجلس 315 طلبا للحديث فى المشكلات التى يعانى منها المواطنون فى المجالات المختلفة كالصحة والتعليم والإسكان وحوادث الطرق وارتفاع أسعار الأدوية والسلع الرئيسية، لكن دون أى مساهمة من البرلمان فى علاج أوجه الخلل محل طلبات الحديث، كما عمد المجلس إلى إنشاء لجنة تقصى حقائق وحيدة حول فساد القمح والتى كشف تقريرها فى 10/8/ 2016 عن الأطراف المسئولة مسئولية جنائية وتأديبية ومدنية وسياسية بشأن فساد توريد القمح. وكشفت الدراسة أن ضعف أداء البرلمان إنعكس على نظرة الشارع له، ففى الاستطلاع الذى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة»، حول تقييم المواطنين لأداء مجلس النواب، أوضحت نتائج الاستطلاع أن الشارع المصرى منقسم حول تقييم أداء مجلس النواب فى نهاية الشهر الرابع لانعقاده بصورة شبه متساوية، حيث بلغت نسبة الموافقين على أدائه 35 % فقط، بينما بلغت نسبة غير الموافقين 31 %، وبلغت نسبة الذين لم يستطيعوا التحديد 33 %، وأوضحت نتائج الاستطلاع أن نسبة الموافقين على أداء مجلس النواب تنخفض بارتفاع المستوى التعليمى، حيث تبلغ نسبة الموافقين على أدائه 43 % بين الحاصلين على تعليم متوسط أو أقل، وتنخفض إلى 20 % بين الحاصلين على تعليم جامعى أو أعلى، وترتفع نسبة من يوافقون على أداء نواب دوائرهم من 29 % فى الحضر إلى 49 % فى الريف، وتنخفض نسبة من أجابوا بأنهم لا يستطيعون التحديد من 39 % فى الحضر إلى 29 % فى الريف، ويمكن عزو ذلك إلى أن سكان الريف يكونون على معرفة بالنائب شخصيا بصورة أكبر من الحضر مما يساعدهم على تقييم أدائه. فى النهاية يمكن القول إن أداء المجلس سواء من ناحية التشريع أو الرقابة أو نمط التفاعل بين أعضائه أو شكل التحالفات داخله أو طبيعة العلاقة مع الحكومة، لا ينبئ بأداء برلمانى فيما تبقى من الفصل التشريعى قد يعدل ما مال من أوضاع، أو يصحح ما حاد عن المسار، أو يوضح ما استعصى على الفهم أو ما ابتعد عن المنطق، إلا إذا كانت هناك إرادة حقيقية من داخل البرلمان أو من خارجه بشد أوتار البرلمان الضعيفة، حتى الآن، وإكساب هذه المؤسسة المهمة قدرا معتبرا من المصداقية.