الزيارة التي يقوم بها الرئيس اللبناني الجديد ميشال عون إلى القاهرة تأتي في سياق الواقعية المصرية الجديدة ، والاضطرارية ، التي تتواضع أمام حقائق الواقع بعيدا عن التهييج الإعلامي والخطاب السياسي المفعم تكبرا واستعلاء ، والذي يبدو منفصلا عن الواقع ومغيبا عنه ، ميشيل عون هو حليف تنظيم حزب الله الشيعي اللبناني ، وهو حركة دينية مسلحة تخوض معارك في سوريا وفي اليمن وتهدد البحرين وتدرب معارضة شيعية مسلحة في أكثر من بلد عربي ، ويهاجم زعيمها علنا كل حلفاء السيسي في الخليج ، بل يشتمهم ويهدد باستباحتهم ، وفي مقدمتهم السعودية التي أنفقت على نظام السيسي عدة مليارات من الدولارات وما زالت داعمة للاحتياطي النقدي لمصر ، والتي قال السيسي مرارا وتكرارا أنه لن يسمح لأحد أن يهدد أمنها وأن "مسافة السكة" فقط يحتاجها ، وأن أمن الخليج من أمن مصر ، إلى آخر هذه العبارات الشهيرة ، ومع ذلك يتبجح الرئيس اللبناني في القاهرة بالدفاع عن هذا التنظيم وعن سلاحه ويعتبره سلاحا شرعيا ، كما يتبجح بخوضه المعارك خارج لبنان ، وخاصة في سوريا ، فهو يبيح له أن يذهب إلى سوريا لقتل الشعب السوري لصالح بشار الأسد ، ولو فعلتها قوات المعارضة السورية في لبنان ردا على ذلك بالمثل فلنا أن نتصور حجم الفوضى في المنطقة ، والكارثة أن "رئيس لبنان" يتحدث علنا وبغرابة أن جيش بلاده ضعيف ، وبالتالي الدولة في حاجة إلى سلاح حزب الله وميليشياته ، وبطبيعة الحال نتذكر عند أول خلاف سياسي داخلي قبل عدة سنوات كيف انتشرت ميليشيات حزب الله واجتاحت بيروت بأحزابها وأمنها ومؤسساتها بقوة السلاح لتبسط سيطرتها على العاصمة بالكامل ، ثم "قررت" إخلاءها بعد ذلك بعد وساطات من دول إقليمية وأوربية ، وبعد أن أرسلت الرسالة المطلوبة . حزب الله مصنف في مصر رسميا كتنظيم إرهابي ، في أحكام قضائية اتهمته صراحة بالتورط في أعمال إرهابية في مصر ، وتدريب عناصر إرهابية ، ومع ذلك لن يمضي وقت طويل قبل أن نجد قيادات هذا التنظيم الإرهابي في ضيافة الدولة المصرية هنا في القاهرة وفي حماية أجهزتها الأمنية . ما حدث مع حزب الله حدث مثله مع حركة حماس الفلسطينية ، مع فارق كبير في المقارنة ، باعتبار حماس حركة تحرر وطني ، تدافع عن أرضها ومقدساتها ، في ظل غياب الدولة ، ولا تعمل وفق أجندة طائفية ، ولا تعتدي على شعوب أخرى وترسل قواتها لقتل شعوب عربية هنا أو هناك ، ولكن المفارقة أن حماس متهمة في مصر رسميا أيضا بأنها منظمة إرهابية ، والإعلام المصري الرسمي والموالي ، صحفا وفضائيات ، لا يكل ولا يمل من تكرار الهجوم على حماس ومؤامراتها على مصر ، بل وتحميلها كل الدم والإرهاب الذي يحدث في شمال سيناء ، وهناك بيانات رسمية من الحكومة المصرية تتهم حماس بالتورط في قيادة عملية اغتيال أحد قادة القوات المسلحة وأنها قامت بتدريب العناصر التي نفذت عمليات إرهابية في قلب القاهرة ، وأن عيون الأمن المصري الساهرة رصدت كل هذه التفاصيل وسجلت اتصالات وحددت أسماء ، ونشرت تلك الاتهامات بقصصها الكاملة في مختلف وسائل الإعلام المصرية ، كما أن "الخبراء" الاستراتيجيين الذين يصدعون رؤوسنا يوميا في شاشات الفضائيات لا يكلون ولا يملون من تذكيرنا بأن حماس هي الذراع الفلسطيني لجماعة الإخوان "الإرهابية" ، أي والله ، كل هذا يحدث ويعلن عنه في الوقت ذاته الذي يأتي فيه قادة حماس إلى القاهرة بدعوات رسمية ، من ذات الحكومة ، وفي حماية أجهزتها ، ذات الأجهزة ، لمقابلة قيادات مصرية للتشاور والتنسيق السياسي والأمني ، وهي تناقضات يمكن أن تسبب لك الجنون إذا حاولت أن تستوعبها . مصر دولة حائرة ، ونظام سياسي حائر ، بين رغبة في استعادة أمجاد "الشقيقة الكبرى" التي يسير العرب في ركابها ، وبين واقع يكشف عن ضعف قدراتها ومحدودية دورها في المنطقة ، بين أصوات عالية فيها تتحدث كدولة عظمى يهابها الشرق والغرب ويخطب ودها الأمريكان والروس ، وبين الواقع الذي يكشف عن أنها في حالة من الحصار والهزال السياسي والاقتصادي والديبلوماسي إلى حد أن تضطر للجلوس على طاولة الحوار مع تنظيم حزب الله ومنظمة حماس ومنظمة عصائب الحق الشيعية العراقية ، تلتمس منهم العون على أداء دورها وتحقيق مصالحها ، وتلعق كل ما وجهته كدولة لتلك المنظمات من اتهامات وتصنيفات . https://www.facebook.com/gamalsoultan1/