لقد أطلقتم شعار "مشاركة لا مغالبة" وإن كان من حق أي تيار أو فرد المغالبة في كل الانتخابات وكذلك من حقكم تقديم مرشح للرئاسة ولكنَّ في رقبتكم وعدًا بعدم الترشح ولا أقتنع بمبررات قراركم الأخير بحجة تعرُّض الثورة للخطر وتقصير حكومة الجنزوري والأداء السياسيّ الهزيل للمجلس العسكريّ، فكل ذلك معلوم لدى الكثيرين وكنتم تسكتون عليه، على الرغم من معارضة الفصائل السياسية الأخرى، ثم اعترف بعض مسئوليكم من قبل بوقوع أخطاء سابقة منكم والرجوع للحق فضيلة. وكنت قد كتبت مقالاً بالجريدة يوم الخميس الماضي عُنوانه "الإخوان المسلمون .. الانتخابات الرئاسية والمأزِق التاريخي الثاني" وذكرت ثلاثة احتمالات لموقف الإخوان من تقديم مرشح لرئاسة مصر، ومنها احتمال تقديم مرشح لهم، ونصحتهم بالاختيار الثالث وهو "ترك حرية الاختيار للأعضاء وعدم الإعلان عن تأييد أي مرشح، كما فعل حزب النور وهذا أفضل احتمال ندعو الجماعة لاختياره رأبًا للصدْع وحفاظًا على كبرى الجماعات المصرية الداعية للحل الإسلامي"، وقد أعلنتم عن تقديم المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة للرئاسة (مساء السبت)، ونحترمه شخصيًّا، وبعد الإعلان تفجر الموقف الداخلي العام والإسلامي الخاص، فينظر الكثيرون إليكم من جهة إخلاف الوعد المتكرر بعدم الترشح وفصل أحد قادتهم "د.عبد المنعم أبو الفتوح" من أجل إعلانه عن نية ترشحه، وفتح فعلكم باب التأويلات بوجود صفقة بين الجماعة والمجلس العسكريّ من أجل تقديم مرشح تابع لكم بخلاف المرشحيْن الآخريْن اللذيْن تم تصنيفهما كصقرين من صقور المعسكر الإسلاميّ (الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ود.عبد المنعم أبو الفتوح)، ووعْدهما بتحقيق مطالب الثورة المعطلة ومنها محاكمة أركان النظام البائد، ومثَّل إعلانكم صدمة عند البعض وأمرًا عاديًّا عند البعض الآخر، ممن يعتبر أن الإخوان سياسيون من الطراز الأول، ويستطيعون استخدام كل الأوراق بغض النظر عن شرعيتها، وزادت بذلك مساحة المعارضة الشعبية والسياسية لكم، أما عن الصف الإسلاميّ فقد أساء موقفهم للجميع في نظر المحللين؛ لإخلافهم الوعد على الرغم من إعلانهم تبنّي السياسة الشرعية القائمة على مبادئ الإسلام بعيدًا عن المناورات والنفعية والصفقات المريبة، يُضاف إلى ذلك أن التشتت سيصيب الصف الإسلاميّ لوجود خمسة مرشحين من أبنائه (حازم وعبد المنعم ود.محمد سليم العوا وخيرت ود.باسم خفاجيّ)، وسيتم توزيع أصوات الناخبين بين الخمسة ولن يؤدي لنتيجة مُرضية للتيار الإسلامي وقد تتكتل القوى الأخرى لدعم مرشح واحد، وهذا بخلاف مرشحي الفلول (أتباع النظام البائد)، ولا نبالغ إذا قلنا إن ما يحدث يدعم الثورة المضادة ومحرِّكيها بعد أن تصدَّر التيارُ الإسلاميُّ العمل السياسي في مصر عمومًا، ولكنهم بلا سلطة نافذة، وهنا تأتي نصيحتنا لكل المصريين والتيار الإسلامي عمومًا والإخوان والسلفيين خصوصًا بوجوب التجرد وإخلاص النية لله لإخراج مصر والعالم كله من الانحطاط الضارب في جميع نواحي الحياة؛ فأنظار العالم كله متجهة إلى الشعب المصريّ العريق الذي وفقه الله لإزاحة الغمة عن الأمة، فلا تخذلوه من أجل عَرَض زائل، ولن يسامحكم الناس والتاريخ إن تنازعتم وفشلتم في تحقيق ما نصبو إليه، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد وتذكَّروا قوله تعالى : "إن أريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلا باللهِ عليه توكلتُ وإليه أنيب".