المبررات التى ساقتها جماعة الإخوان المسلمين لتراجعها عن التزامها الأدبى والسياسى والأخلاقى أمام الوطن بعدم ترشيح أحد من أبنائها لانتخابات الرئاسة هى أسوأ من القرار ذاته، وفى الأصول الإسلامية أن "استباحة" الحرام أكثر خطورة وتجريمًا من الوقوع فى الحرام نفسه، لأن الاستباحة تؤسس لمشروعية الحرام وتجعله سنة ماضية فى الناس فتضيع الأخلاق وتذوب الفوارق بين الحق والباطل والخير والشر وتذهب المروءات، لقد ردت الجماعة ببرود مذهل على من ذكروها بالتزامها المعلن والمتكرر أمام الوطن بقولها: إن السياسة متغيرات ومصالح وهناك متغيرات حدثت تجعلنا نتراجع عن القرار السابق، وبالمعنى البلدى قالوا لنا: "بلوه واشربوا ميته"، ولنا أن نتخيل أن جميع القوى السياسية اتخذت هذا المبدأ "الإخوانى" العجيب سنة وأسلوبا ومبدأ للتعامل مع الوطن ومع القوى السياسية المختلفة، لن يبقى لسياسى واحد ذمة ولا عهد ولا أخلاق، ولن توجد مؤسسة وطنية يمكن أن تلتزم بوعد قطعته على نفسها أو إنجاز كان يفترض أن تفى بتحقيقه أمام الجميع، بل إن الخطير فى الأمر أن "المبدأ الإخوانى" جعل المجلس العسكرى فى حل من التزامه ووعده المعلن بتسليم السلطة إلى المدنيين فى نهاية يونيو المقبل، والتبرير حسب المنطق الإخوانى جاهز، وهو أن متغيرات حدثت تهدد سلامة الوطن وتقتضى تعديل الموعد أو تأجيله أو تغيير صيغته، ثم ما معنى أن تكون هناك برامج للمرشحين لرئاسة الجمهورية مثلا طالما أن كل شىء تم الوعد به يمكن أن يتغير بسهولة شديدة بمجرد أن تطلق عبارة "هناك متغيرات"، بل كيف نصدق مرشح الإخوان الجديد نفسه المهندس خيرت الشاطر إذا قال لنا إنه ملتزم بتحقيق كذا وكذا وفعل كذا وكذا، طالما أنه يمكن أن يأتينا بعد جلوسه على "العرش" بأشهر أو أيام لكى يقول: سامحونى ما كانش قصدى، وأن هناك متغيرات تقتضى أن أتراجع عما وعدت به الشعب المصرى، وهل يمكن أن يشرح لنا أحدهم أى معنى لبرامج الأحزاب السياسية التى يتقدمون بها إلى الانتخابات النيابية أو البلدية أو أى انتخابات فى أى مكان بالعالم، وما معنى ذلك البرنامج الذى تقدم به حزب الحرية والعدالة نفسه، طالما أن هذه البرامج والخطط والوعود مجرد "كلام مصاطب" فى ساعة عصارى عندما يكون المزاج "عالٍ"، وأن هذه البرامج كلها تتبخر بسهولة شديدة لا تحتاج أكثر من خروج رئيس الحزب أو أحد قياداته لكى يقول بأن الحزب رأى أن هناك متغيرات تقتضى تغيير تلك البرامج أو إلغاءها، إن مثل هذا التبرير الذى طرحته الجماعة لنقض عهدها مع الوطن وقواه السياسية بعدم ترشيح أحد من أبنائها لرئاسة الجمهورية هو فتح لبوابات الجحيم والعبث والفوضى على أوسع نطاق فى مصر، خاصة إذا أضفت لذلك أن "البدائل" كانت متاحة، مهما تغيرت الظروف، إلا إذا كانت الجماعة كانت تقصد أن "مصلحتها" هى التى تغيرت وتقتضى هذا الإخلاف للوعد والتنصل من الالتزام السياسى وتلك قصة أخرى. [email protected]