أكدت منظمة «العفو» الحقوقية الدولية، مساء أمس الثلاثاء، خبر اعتقال الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله المستشار السابق لولى عهد أبو ظبي. وقالت المنظمة في تغريدة مقتضبة عبر «توتير»: «خبر سيء من الإمارات: اعتقال عبد الخالق عبدالله، ونخشى أن يكون سجين رأي». وكتب الأكاديمي الإماراتي «عبدالخالق عبدالله» في 15 من الشهر الجاري في آخر تغريدة له عبر حسابه على موقع «تويتر»،: «صدق من قال: أنا حر في حياتي.. إذا أنا سعيد في حياتي»..معرباً من خلالها عن سعادته بالحياة «حراً»، لكنه كان - على ما يبدو - ينعي ساعاته الأخيرة على هذه الحالة. إذ كان اليوم التالي هو آخر ظهور ل«عبدالله» على «تويتر»؛ منصته «المحبوبة»، و«جالبة الصائب» له في آن واحد؛ حيث لم يطل الرجل عبرها منذ ذلك الحين، وحتى هذه الساعة. وندد حقوقيون وناشطون باعتقال الرجل بسبب تغريداته السياسية، وهو النبأ الذي ظل في سياق التكهنات لحين أكدته المنظمة. ويحمل «عبدالخالق عبدالله» دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة "جورج تاون" في الولاياتالمتحدة. ونشر العديد من الكتب أبرزها: «الوطن العربي بين قرنين» (2001)، و«الحركة الثقافية في الإمارات» (2000)، و«النظام الإقليمي الخليجي» (1999)، و«قضايا خليجية معاصرة» (1998)، و«العالم المعاصر والصراعات الدولية المعاصرة» (1989). وله أكثر من 50 دراسة نُشرت في دوريات محكمة باللغتين العربية والإنجليزية، آخرها دراسة مطولة بعنوان «لحظة الخليج في التاريخ العربي». وبدأ الرجل حياته الأكاديمية في 23 أبريل 1980 بلقب «معيد»، يحمل الرقم الوظيفي 183 في جامعة الإمارات بمدينة العين، واستمرت المسيرة حتى وصل إلى مرحلة الأستاذية، وأخيراً أكاديمي متقاعد ودّع على عينه - مدرجات الجامعة التي عشقها وعاش بين جنباتها ثلاثة عقود. لكن يبدو أن الأكاديمي التي اعتاد أن يواجه طلابه مقدما لهم نصائحه، وناقلا لهم أفكاره، لم يكن من السهل عليه ترك هذه العادة، فكان البديل نافذة «تويتر»، التي بات دائم الحضور عليها على مدار الساعة؛ حيث يطرح من خلالها آرائه حول مختلف قضايا المنطقة والوطن. أبواب خليجية موصودة إلا أن حياة الرجل على «تويتر» لم تكن «وردية» على الدوام؛ حيث جلبت له هذه المنصة المتاعب في الكثير من الأحيان. إذ تسببت تغريدات له في منعه مرتين، خلال العامين الأخيرين، من دخول عمانوالبحرين لحضور فعاليات علمية؛ بدعوى أنه شخص «غير مرغوب فيه» تارة أو «غير مرحب به» تارة أخرى. فلم يشفع ل«عبدالله» حرصه شبه الدائم عن الدفاع عن سياسات دول الخليج وأنظمتها وانتقاده الحاد لسياسات إيران ولثورات الربيع العربي التي حاربها عدة أنظمة خليجية، بحسب موقع «الخليج الجديد». وكان القليل من انتقاداه، بين غث من الإشادات، كافياً بإغلاق بعض أبواب الخليج في وجه. ففي فبراير 2016، وجد الرجل نفسه في مطار البحرين ممنوعا من الدخول؛ في موقف لم يواجهه من قبل. ووقتها كتب على «تويتر»، قائلا: «تحياتي من البحرين العزيزة على قلبي؛ حيث قررت سلطات المطار منعي من دخول البحرين، وطلبت منى العودة على أول رحلة إلى بلدي الإمارات»، وأضاف أنه تم إبلاغه بأنه «شخص غير مرحب به»، دون إبداء أي أسباب. ورغم تأييده للكثير من القرارات التي يصدرها النظام الحاكم في مملكة البحرين، ودفاعها عنها في وجه الهجوم الإيراني، إلا أن الرجل انتقد بشكل مبطن قبل 28 يوما من هذا المنع من الدخول السياسة التي تنتهجها البحرين في معاقبة المعارضين السياسيين ومنفذي التفجيرات عبر سحب الجنسية منهم، وكان ذلك على ما يبدو السبب وراء منعه من الدخول. إذا قال في 29 نوفمبر الأول 2015: «في دولة خليجية بلغ عدد الذين أُسقطت عنهم الجنسية، وهم مواطنون أبا عن جد، نحو 200 مواطنا، وعدد المعتقلين بتهم سياسية أكثر من 4 الف (آلاف) سجين». وفي 22 سبتمبر 2016، وجد الرجل أبواب الخليج موصودة أمامه للمرة الثانية؛ لكن هذه المرة في سلطنة عمان. وآنذاك، كتب عبر صفحته على «تويتر» قائلا: «من مطار مسقط أحييكم؛ حيث وصلتها قبل قليل، وسأغادرها بعد قليل؛ بعد أن بُلغت من موظف الأمن أنني غير مرغوب به في عمان». وكما حدث في المرة الأولى، لم يتم إطلاع «عبدالله»، أيضاً، على سبب الخطوة، لكنها جاءت إثر انتقاده لسياسات مسقط في أكثر من مناسبة، ومن أبرزها ما حدث في أكتوبر 2015؛ عندما طرح تساؤلا حول مدى أفضلية «مجلس التعاون الخليجي» بدون سلطنة عمان، ومدى أفضلية السلطنة بدون عضويتها في المجلس. ووقتها، كتب على «تويتر» قائلا: «في ظل تباعد المواقف من اليمن وعدة ملفات إقليمية يدور في الأروقة سؤال هل مجلس التعاون أفضل حالا بدون عمان وهل عمان أفضل حالا خارج مجلس التعاون». وفي أغسطس من العام ذاته، انتقد الأكاديمي الإماراتي بشدة زيارة وزير خارجية النظام السوري «وليد المعلم» إلى العاصمة العمانيةمسقط، مؤكدا أن الأخير شخص غير مرحب به في دول الخليج. وفي حينها، قال «عبدالله» عبر «تويتر»: «لا أهلا ولا سهلا بوزراء السفاح بشار الأسد في دول الخليج العربي، العواصم الخليجية أطهر من أن تستقبل مسؤولا سوريا يده ملطخ بدماء الشعب السوري». أزمة في العراق مشاكل الرجل لم تقتصر فقط على دول الخليج وانما امتدت إلى العراق، وكان السبب أيضا تغريداته؛ في مجتمعات لم تتعايش بعد مع حرية التعبير. ففي يونيو 2016، أنهت مجلة «دراسات دولية» التابعة لمركز «الدراسات الاستراتيجية والدولية» في جامعة بغداد الدولية، عضوية «عبدالله» في هيئتها الاستشارية؛ إثر انتقاده ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية في تغريدة عبر حسابه على «تويتر». وآنذاك، نشر المركز عبر موقعه الإلكتروني بيانا أعلن فيه «إنهاء عضوية أ.د. عبد الخالق عبد الله من ( دولة الامارات العربية المتحدة) كعضو للهيئة الاستشارية لمجلتنا (مجلة دراسات دولية)، على خلفية التصريحات التي أدلى بها أ.د. عبد الخالق عبد الله في مواقع التواصل الاجتماعي والمعادية لقواتنا الأمنية التي تخوض حربها ضد الإرهاب». وأضاف: «وعليه تقرر إنهاء عضوية أ.د. عبد الخالق عبدالله، وسوف يتم تسمية عضو بديل في وقت لاحق». وكان «عبد الله» نشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «توير»، انتقد فيها تبعية «الحشد الشعبي» لإيران؛ حيث قال: «فرحت لهزيمة التنظيم الإرهابي داعش في (مدينة) الفلوجة (غربي العراق)، واستكثرت تهنئة الجيش العراقي والحشد الطائفي الإيراني؛ فهما لا يستحقان التهنئة ولا يحظيان بالثقة». «القشة التي قصمت ظهر البعير» ويبدو أن الرجل لم يتعلم من تجاربه السابقة، وكان حسن الظن كثيرا بالنظام الحاكم في بلده، وخاصة عائلة «بن زايد»؛ والذي يُوصف بأنه مقرب منها؛ حيث يعمل مستشاراً لولي عهد أبوظبي، «محمد بن زايد». إذ لم يستجب «عبدالله» لنصائح من حوله بعدم الاقتراب من عائلة «بن زايد»، وظن نفسه بالفعل في مأمن منهم وسط شعارات «السعادة» و«الخير» التي يطلقونها لأعوامهم. ففي الفترة الأخيرة، زادت انتقادات الرجل للأوضاع الداخلية في الإمارات. وفي 2 يناير 2017، انتقد وضع الحريات في الإمارات، قائلا: «أزعجني تقرير منظمة العفو الدولية، أهم منظمة حقوقية دولية، عن وضع الحريات وحقوق الانسان وسجناء الرأي في الامارات2016. أتمنى أن يُقرأ (التقرير) بحرص وطني». وفي 4 يناير 2017، واصل الانتقادات في الشأن ذاته، قائلا: «الإمارات الأولى عربياً وعالمياً وفق 15 مؤشر حيوي، لكن ترتيبها 119 عالميا وفق مؤشر الحريات. متى ستكون الإمارات الأولى عربياً وعالمياً في الحريات؟». وفي 5 يناير 2017 علق على تغريدة لوزير الخارجية الإماراتي «عبدالله بن زايد» «نهاية جمعية الإصلاح الجديدة تلحق زميلتها»، قائلا: «وإن شاء الله نهاية الوطنجية والأمنجية والمكارثية الجديدة على أرض الامارات»، مواصلاً انتقاد الأوضاع الداخلية في البلاد. وفي 6 يناير 2017، انتقد احتضان أبناء «زايد» للشخصية الفلسطينية المثيرة للجدل «محمد دحلان»، قائلا عبر تغريدة له: «شخصية فلسطينية مثيرة للجدل في قطر (عزمي بشارة) وشخصية فلسطينية مثيرة للجدل محسوبة على الإمارات (محمد دحلان). هل حان وقت إنهاء دور شخصيات وافدة مثيرة للجدل في دولنا». كما أثار أزمة مع تركيا بسبه لمسؤول كبير فيها، دون أن يدرك أن العلاقات الإماراتية التركية بدأت في التحسن في الفترة الأخيرة بعد سنوات من التوتر. ففي 8 يناير 2017، غرد قائلا: «محمد شيمشك نائب رئيس وزراء تركيا: دهس جنود اسرائيليين في القدس عملية إرهابية حقيرة. أنت الحقير وإذا هذا موقف تركي رسمي فهو موقف جبان وحقير»، في تسرع منه حيث أن «شميشك» تراجع لاحقاً عن تصريحه. وسبق ذلك، انتقادات على فترات متباعدة للسياسات الداخلية الإماراتية. إذ طالب «عبدالله»، في تغريدات له، بإجراء مزيد من الإصلاحات السياسية في الإمارات، واعتبر أن المجلس الوطني «السلطة التشريعية في البلاد»، لابد وأن تمنح بعض الصلاحيات حتى تتواكب مع المرحلة الراهنة، وهي المطالب التي اعتبرها البعض مشابهة لتلك التي طالب بها مثقفون قبل 5 سنوات، وتسببت في اعتقال عدد كبير منهم، وتوجيه تهم متعلقة بزعزعة أمن البلاد لهم. كما توجهت بعض سهام «عبدالله» «التويترية» لنظام «عبد الفتاح السيسي»، الحليف المفضل لولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»؛ إذ انتقد الأكاديمي الإماراتي الحكم النهائي الصادر العام الماضي بسجن الرئيس المصري «محمد مرسي» 20 عاما في قضية أحداث قصر الاتحادية، ووصفه بأنه «قاسي وظالم». كما انتقد حبس مصريين معارضين لترسيم الحدود مع السعودية، ووصفه بأنه «حكم قراقوشي».