في القاهرة اليوم عقد الاجتماع الدوري العاشر لوزراء خارجية دول جوار ليبيا والذي يناقش تطورات الأزمة الليبية ، وهو اجتماع يكون بحضور وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر وتشاد والسودان والنيجر ، وبحضور ممثل الاتحاد الأفريقي وممثل الجامعة العربية للملف الليبي وأمين عام الجامعة العربية ، وهو اجتماع دوري يتم كل مرة في عاصمة من عواصم دول الجوار ، وكان مقر الاجتماع الجديد اليوم في القاهرة ، وقد انتهى إلى عدة قرارات مهمة ، يأتي في مقدمتها رفض أي تدخل عسكري أجنبي في الأزمة الليبية باعتباره سيعقد الأمور ويضر بالمنطقة كلها ، وهذا القرار يقطع الطريق على "أشواق" البعض بتدخل روسي لدعم خليفة حفتر وميليشياته التي يسميها الجيش الوطني الليبي ، والتي تسيطر على جزء من شرق ليبيا ، كما أن هذا القرار إدانة للإمارات ضمنيا لتكرار تدخل طائراتها في المعارك التي تدور هناك وقصف أهداف لمعارضين لحفتر راح ضحيتها أحيانا مدنيين ، بحسب شهادات من الداخل الليبي . أيضا ، كان من القرارات المهمة في المؤتمر التأكيد على أن الشرعية السياسية هي في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بطرابلس العاصمة ، والمنبثق عن اتفاق الصخيرات برعاية الأممالمتحدة ، وليس للحكومة المزعومة في طبرق الراعية لحفتر وكتائبه ، وأكد البيان أن أي عمل عسكري في ليبيا ينبغي أن يتم حصريا بقرارات من المجلس الرئاسي بما في ذلك الأعمال التي يقول أصحابها أنها موجهة ضد الإرهابيين ، وهذا القرار تأديب وتهذيب لخليفة حفتر الذي يرسل ميليشياته إلى أكثر من مكان لإثارة حروب أهلية بدعوى أنه يحارب الإرهاب ، ويرفض أي اعتراف بالمجلس الرئاسي أو قيادته للجيش الليبي ، باعتبار أن اتفاق الصخيرات انتهى إلى أن رئيس المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية ، وقال البيان الختامي اليوم ما نصه : (أن مكافحة الجماعات الإرهابية في ليبيا يجب أن يكون في إطار الشرعية الدولية، وأن العمليات بهذا الخصوص يجب أن تكون بناء على طلب من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني وفقاً للشرعية الدولية وأحكام القرار رقم 2259 المعتمد من مجلس الأمن بتاريخ 23 ديسمبر 2015 وميثاق الأممالمتحدة) ، وهذا يلزم حفتر بأن يلتزم بتوجيهات قائده ، وأن يعمل وفق القرار السياسي وليس بالبلطجة العسكرية التي يمارسها حاليا ، وبالتالي تعتبر أي تحركات عسكرية له لم يأذن بها المجلس الرئاسي أو يأمر بها هي أعمال خارجة على الشرعية ، محض بلطجة ، وهذه النقطة تحديدا هي مفتاح أي حل في ليبيا ، لأن المشكلة أن حفتر يعتبر نفسه الحاكم العسكري لليبيا وأنه أعلى سلطة فيها ، ويرى نفسه مفوضا من الليبيين لمواجهة الإرهاب حسب مزاعمه ، وأنه مخول بخوض المعارك العسكرية حتى النهاية مع كل معارضيه في ليبيا من مختلف القوى السياسية والعسكرية حتى يبسط سيادته على التراب الوطني الليبي ، ويدعمه في ذلك دول إقليمية مع الأسف إضافة إلى الإمارات التي تراهن عليه لتكرار تجربتها في أماكن أخرى . مؤتمر القاهرة يأتي تأكيدا جديدا على فشل توجهات الديبلوماسية المصرية تجاه الملف الليبي طوال السنوات الثلاث الماضية ، ويأتي تأكيدا على "عبثية" الرهان على الجنرال خليفة حفتر ليكون حاكما عسكريا بقبضة حديدية على ليبيا ، أو اعتباره الجهة الوحيدة التي تمثل القرار العسكري الشرعي في ليبيا والتي تستحق الدعم والمساندة والتدريب وخلافه ، اليوم اضطرت مصر للتسليم بالحقائق على الأرض . الحل العسكري في ليبيا غير ممكن عمليا ، والليبيون الذين دفعوا ثمنا باهظا من الدم والمال لإزاحة ديكتاتورية وإجرام القذافي وأولاده غير مستعدين للقبول بديكتاتورية حفتر وأولاده من بعده ، والثورة الليبية كانت مسلحة ، والسلاح ما زال في أيادي كثيرة ، ولا يوجد جيش واحد ، وإنما جيوش ، أقرب لكتائب أو ميليشيات عسكرية ، بما فيها ميليشيات خليفة حفتر ، ولا بديل عن توافق سياسي ، وضمانات كاملة لتحييد السلاح عن العملية السياسية ، لتأمين عملية التداول السلمي للسلطة ومنع أي محاولة للانقلاب العسكري ، وإحياء المسار الديمقراطي الذي ولد في أعقاب ثورة 17 فبراير المباركة ، قبل أن يخربه تدخل بعض القوى الإقليمية والخليجية .