مصر أم الغرائب، هل عندك شك سيدى.. هل عندك شك؟ لو ذلك كذلك، فتأمل طبيعة علاقات الإخوة الأعداء، فرقاء الأمس أصدقاء اليوم، وأصدقاء الأمس فرقاء اليوم، وشاهد بعين فاحصة، وأصغِ بأذن واعية، إلى ما يدور حول أزمة لجنة الدستور، فقبل الثورة، كان الإخوان فى ظهر كفاية، وكفاية فى كتف الإخوان، وكانت الصحافة زاعقة الصوت، تنشر أخبار المحظورة نكاية فى مبارك، وطمعا فى جنيهات أعضاء الجماعة - التى تملك بالتوجيه فيما بينها- أن تشترى عشرات آلاف النسخ، وقبل الثورة كان الحزب الوطنى فى مواجهة كل فصائل المعارضة، وكانت الصحف القومية والإعلام الرسمى وشبه الرسمى، والمتعطش لصفة صديق الرسمى يشعلها كل صباح ومساء حربًا لا تهدأ ضارية لافحة على الجماعة المحظورة وقتها، ثم قامت الثورة، وتلاحم السلفى والإخوانى والنصرانى والليبرالى والأبريلى والكفائى والأناركى والاشتراكى والشيوعى والقومى فى صف واحد أمام جحافل الشرطة، وفى ثمانية عشر يومًا اختصرت غضب المصريين وانزاح مبارك، ولم يكد الميدان يفرغ من أطهاره حتى تكالب عليه غرائب زواره، وبدأت الاتهامات مبكرا، بأحاديث عن جلوس الإخوان مع نائب الرئيس المخلوع، ثم رجم بالغيب عن صفقة بين الإخوان والمجلس العسكرى، ثم محاولات الاشتباك المبررة أحيانًا، وغير المبررة فى معظم الأحيان مع المجلس العسكرى، وما إن قاطع الإخوان أحداثا بلون الفتنة فى شاعرى محمد محمود ومجلس الوزراء حتى تكالبت القبائل واتهمت الإخوان بالتخلى، والسلفيين بالرضا بالقضاء وعدم معارضة المجلس العسكرى، وظهرت الصيحة المعروفة(يسقط يسقط حكم العسكر) وربما حتى هذه اللحظة، قد نتفهم الدوافع والمصالح، لكن غير المفهوم هو حالة التربص والاستعداد المسبق وسبق الإصرار والترصد والتعمد، لافتعال الأزمة، ثم كادت الواقعة أن تقع، وظهرت أم الغرائب، حتى وجدنا الجميع فى كفة أمام الأغلبية البرلمانية، لدرجة أن حالة اسمها (تلفيق عماشة)، ظلت لشهور تشتم حركة ستة أبريل، نجدها تستنجد بهم لتنظيم مليونية ضد الإسلاميين، ثم نجد كل الصحف والفضائيات -إلا قليلا مما ترك عِرق الأمانة- نجدها تركب الموجة، ثم تعقد اجتماعًا سريا لإشعال الموقف ولتأليب العسكرى على الإخوان، من أجل ترقب ظلام الصدام. يعنى وقت الجد الكل، باع الجميع ريتشارد قلب الأسد، ونفخوا فى الشر المستطير، والتفوا حول قصعة الإخوان، وكأن الحرب الحقيقية لم تقم ضد النظام السابق، وإنما هى ضد مكتب الإرشاد، وكأن مصلحة مصر مؤخرة على القضاء على الجماعة، ولا عزاء لامرأة رائعة الحسن حزينة الكبرياء تدعى المحروسة، وليس مهما على الإطلاق أن تقوم مصر من كبوتها، بل المهم هو إركاع أعضاء الجماعة واصطدامهم بالمجلس العسكرى، ويا حبذا لو صارت مذابح ودماء للركب وزنازين مفتوحة على شباك التاريخ مطلة على عام أربعة وخمسين. انتقدوا الإخوان وأنا معكم وقبلكم، لكن المهم أن تعيش مصر، وفتشوا عن مصالحكم ولو على حساب مصلحتى الشخصية، لكن المهم ألا تمنعوا الأكسجين عن رئتى أم الدنيا.. أو فاسمحوا لى بالرقص فوق دقات شعارى (يسقط يسقط حكم كائنات الفضائيات). [email protected]