أعلنت وزارة الداخلية في بيان لها أمس عن قيامها بتصفية عدد ممن وصفتهم بالإرهابيين في مدينة العريش بشمال سيناء ، وصرح مصدر أمني مسئول بالوزارة أنه تمت تصفية 10 عناصر إرهابية من جماعة بيت المقدس، فى إطار ملاحقة العناصر المنفذة للحوادث الإرهابية الأخيرة التى شهدتها مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، والتى نتج عنها استشهاد وإصابة بعض رجال الشرطة ، ونسبت الداخلية إلى القتلى المسئولية عن تنفيذ عمليات عدائية أبرزها، التعدى على كمينى المطافئ والمساعيد بالعريش بتاريخ 9 يناير الجارى، واستشهاد 8 من رجال الشرطة وأحد المدنيين، واغتيال الشهيد العقيد أحمد حسن رشاد "نائب مأمور قسم شرطة القسيمة"، واغتيال النقيب محمد الزملوط بقطاع الأمن المركزى بالعريش والملازم أول قوات مسلحة محمد السيد عبد الرازق، خطف واغتيال المهندس محمد مصطفى عياد ، وأضاف المصدر الأمني أنه توافرت معلومات حول اتخاذ تلك العناصر مؤخراً لشاليه مهجور بمنطقة شاليهات أرض الجمعية بنطاق قسم شرطة رابع العريش وكراً لاختبائهم تجنباً لعمليات المداهمة الأمنية واتخاذهم من هذا الوكر منطلقاً لتنفيذ مخططاتهم العدائية ، وأن قوات مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية تمكنت أمس الجمعة من مداهمة الوكر المشار إليه، إلا أنه حال استشعار العناصر الإرهابية باقتراب القوات بادروا بإطلاق وابل من الأعيرة النارية تجاهها محاولين الهرب، حيث تم التعامل مع مصادر النيران مما نتج عنه مصرعهم جميعاً (عددهم 10 عناصر) وهم كل من ... وذكرت أسماءهم بالتفصيل . الأسماء التي ذكرتها الداخلية في بيانها ، والذين حملتهم كل الدم الذي أريق خلال الشهور الماضية هم شباب صغير السن بين الثمانية عشر عاما والعشرين عاما ، وذكر أهالي العريش أن أغلبهم كان معتقلا لدى الداخلية قبل ثلاثة أشهر ، وأن أهاليهم كانوا يتوسلون لإطلاق سراحهم كما نشروا "بوستات" على مواقع التواصل الاجتماعي منشورة منذ شهرين أو ثلاثة تدعو الله أن يفرج عنهم ويعودوا إلى أهلهم ، وأحدهم كان متزوجا من أسبوع قبل القبض عليه منذ أغسطس الماضي ، قبل أن يعلن عن مقتله أمس في الواقعة المذكورة ، وصورهم منشورة حاليا وتوحي بشبان بسطاء ومقبلين على الحياة والتهريج واللعب ، حيث يؤكد جيرانهم وأهاليهم أنهم لا صلة لهم بالسياسة ولا الجماعات . الملاحظ في بيان الداخلية أن الشباب جميعهم قتلوا ، وفي أي اشتباك نسمع عن قتلى ومصابين ، لكن الداخلية مؤخرا لا نسمع إلا عن قتلى فقط ، الجميع يخرجون قتلى من تلك المواجهة التي تعلنها ، رغم أن أهم أولويات العملية الأمنية الإمساك ببعض المتهمين أحياء ، من أجل أن يرووا الحقيقة لجهات التحقيق ، ومن أجل معرفة الخيوط التي تربطهم بآخرين والعمل على تفكيك الخلايا المرتبطين بها والقبض على أعضائها ، لكن الحوادث الأخيرة كان لافتا أنه لم ينج أحد من الموت ، كأن قرارا بالتصفية الشاملة قد اتخذ ، وهناك الآن حالة من الغضب الشديد بين أهالي العريش والحزن المنتشر بصورة لا يمكن تصورها عبر صفحات التواصل الاجتماعي ورسائل تأتينا عبر البريد الالكتروني في حالة من الذهول وتستنكر نسبة هؤلاء الشباب إلى جماعات إرهابية وتؤكد على أن أكثرهم كان موقوفا لدى الداخلية ، والبعض راح يذكرنا بواقعة تصفية الخمسة الذين اشتبهت فيهم الداخلية بتعذيب وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني ، ثم بينت تحقيقات النائب العام أنهم لا صلة لهم بالجريمة ، مما أحرج الداخلية ، وجعلها مطالبة بتفسير سبب وجود متعلقات الضحية في بيت أحد من قتلتهم ، كما أن تصفية الخمسة بالكامل قطع كل الخيوط ، ولم يعد هناك من تحقق معه ، والأمر نفسه هنا ، لأننا لا يمكن أن نؤكد أو ننفي أن هؤلاء القتلى كانوا أعضاء بجماعة إرهابية فعلا أو أنهم شاركوا بأعمال قتل ، لأنه لا توجد أي جهة تحقيق قانونية وجهت لهم الاتهام أو أثبتت عليهم التهمة ، فضلا عن حكم قضائي واضح ، لقد ماتوا ، ودفن سرهم معهم ، وبقيت لنا القاعدة القانونية : المتهم بريء حتى تثبت إدانته. جميعنا نقدر الدول الكبير الذي تبذله وزارة الداخلية في التصدي للإرهاب ، والتضحيات الكبيرة التي قدمها رجال الداخلية على يد الفئة الإرهابية الضالة ، فالوزارة تتحمل أعباء كبيرة بالفعل في هذه المعركة الشرسة مع الإرهاب ، ولكن يبقى مهما للغاية إدراك أن الدولة تخوض معركة أخلاقية وقانونية وشرعية بالأساس ، وأن الفارق الجوهري بين سلاح قوات الأمن وبين سلاح الإرهابيين ، هو الشرعية والقانون ، وهو ما يستوجب أن تكون قوات الأمن أكثر التزاما بالشرعية والقانون في سلوكها وأدائها ، مهما كانت الضغوط ومهما كان احتراق الأعصاب والحزن على ضحايانا ، كما أن جزءا كبيرا من هيبة أجهزة الأمن يعود إلى إدراك المواطنين أنها تمثل ذراع القانون ودرع الشرعية ، فإذا اهتزت تلك القناعة ضاع الكثير من الهيبة وفتحنا أبواب الشر على المجتمع ، ومنحنا الإرهابيين فرصة التمدد واكتساب أرضيات جديدة في المجتمع ممن أصبحت نفوسهم مؤهلة للتجنيد وغسيل العقل من قبل الخطاب المتطرف . سأتمسك بالأمل أن تجري وزارة الداخلية تحقيقا داخليا على أعلى المستويات حول تلك الواقعة ، وهو تحقيق لا يغني عن تحقيقات النيابة العامة المنتظرة ، كما أني أناشد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، المسئول الأول عن أمن المجتمع والدولة ، أن تكون هناك مراجعات شاملة للسياسات الأمنية المتبعة في شمال سيناء ، بعد أن ثبت أن الإجراءات الماضية أدت إلى انتشار الإرهاب أكثر وتوسع نشاطاته وتحوله إلى مستوى أعلى من الشراسة ، خاصة وأن التجارب الإقليمية من حولنا أثبتت أن الإرهاب يتغذى عادة على أخطاء السياسة وانعكاساتها على النسيج الاجتماعي والشقوق التي تتولد فيه فتتيح له صناعة حاضنة اجتماعية لم يكن يحلم بها قبل ذلك .