في برلين – قامت أحدى المنظمات التابعة بشكل أو بآخر لأحد أهم مراكز الابحاث الاعلامية الاسرائيلية ، والتابعة عملياً للوكالة اليهودية مساء الأحد الماضي بتنظيم ندوة للحوار بين السفيرين المصري والاسرائيلي في برلين، ولفت انتباهي ان مركز الصحافةالاتحادي التابع للحكومة الألمانية لم ينشر موعد ولا عنوان الندوة المشار اليها – ولم يُبلغ الصحفيين المعتمدين في المانيا عنها الا يوم السبت – أي قبل الندوة بيوم واحد – وهو يوم لا ينظر فيه الصحفيون على الأغلب للصفحات الرسمية لدى الحكومة..وبات الأمر وكأن المقصود عدم معرفة الصحفيين بشكل عام بموعد وموضوع الحوار – وابلاغ أطراف بعينها فقط بموعد ومكان الندوة، والتي أدارها الصحفي الألماني ميشائيل فريدمان المشهور بعشقه لاسرائيل – ربما أكثر من شارون نفسه – وقررت حضور الندوة، للتعرف على الأقل على نوع الاجابات التي سيرد بها السفير المصري محمد العرابي على المتوقع من اسئلة محرجة .. بدأت الندوة ، وظهر من السؤال الأول ان فخّاً كبيراً نُصب للسفير المصري..فبالرغم من ان عنون الندوة كان " آفاق السلام في الشرق الأوسط " الا ان السؤال الأول كان حول تصريحات الرئيس الإيراني احمدي نجاد الخاصة بإسرائيل عموماً، ومطالبته المانيا والنمسا بتحمل ما ارتكباه ومنحهما اسرئيل دولة على اراضيهما، وكذلك ما ذكره حول الهولوكوست..، وصمتت القاعة التي تواجد فيها كل رؤوس الجالية اليهودية في برلين، مدنين ودينين - وكبار الاعلاميين المتعاطفين مع اسرائيل في المانيا في انتظار رد السفير المصري محمد العرابي – فما كان منه الا ان رد ببساطة شديدة وهدوء بأنه وبالرغم من ان هذا ليس له علاقة بموضوع الندوة الا ان الرئيس الايراني مسؤول عن أقواله ويُسأل هو فيها – وليس السفير المصري، هذا علاوة على ان الأهرام المصرية نشرت الموقف المصري حول ذلك، وثالثاً مصر واسرائيل تربطهما اتفاقية للسلام ، وهناك علاقات سياسية ودبلوماسية تجمعهما، وهذا بحد ذاته خير رد على ما يُقال بهذا الخصوص.، ورابعاً ان من الأكيد ان حل القضية الفلسطينية سيحول كثيراً دون عروج هذا أو ذاك إلي الحديث بهذا الشكل ، ولذا فلربما من المفيد ان نعود لموضوع الندوة ، ليسجّل السفير المصري بذلك أول الأهداف في مرمى السفير الاسرائيلي ، بالرغم من ان الأخير كان يتحدث بالألمانية – وهذه ميزة كبيرة في المانيا - وسفير مصر يجيب على الاسئلة بالإنجليزية مع توفر الترجمة المباشرة لكل ما يُقال . انتقل المحاور ليسأل السفير الاسرائيلي عن الارهاب، مستخدماً وصف الارهاب الاسلامي، وأفاض السفير الاسرائيلي في وصف الخطر الذي يواجه العالم كله ، ومصر واسرائيل من هذا الارهاب، محاولاً توجيه الموقف لصالحه ووضع كلمات بعينها على لسان السفير المصري، وبما يفيد الاتفاق بين مصر واسرائيل على الأولوليات المطروحة على بساط البحث في العالم، وخاصة بين مصر واسرائيل..لكن السفير المصري وبذكاء سجل الهدف الثاني في مرمى السفير الاسرائيلي حين رد أمام زعماء الجالية اليهودية في برلين، وكبار رجال الدين اليهودي فيها بأن من الخطل والخلل القول بأن للإرهاب دين، وعليه وحسبما قال السفير المصري فإنه يختلف مبدأياً حول مصطلح الارهاب الاسلامي، والا لكان هناك ارهاب يهودي ، وارهاب مسيحي في ايرلندا مثلاً – وبطريقة أوحت بأن السفير المصري قد يعرج اذا ما استمر الحديث عن ارهاب اسلامي إلي ارهاب الدولة في اسرائيل ، وارهاب مسيحي بصوره المتعددة والذي نراه في أكثر من دولة، - وأشار السفير إلي ان زعماء الطائفة اليهودية يتفقون معه فيما يقول - محولاً الكرة لملعب السفير الاسرائيلي – والذي رد بأنه يتفق مع السفير المصري فيما قال، وان الارهاب ليس له دين..ليرتفع بذلك حجم التعاطف في القاعة – وان حاول الكثيرون اخفاء ذلك - مع ما قاله السفير محمد العرابي، ويُجبر المحاور ومعه السفير الاسرائيلي إلي محاولة الهجوم من زوايا أخرى غير ما أثاراه. النقطة الثالثة كانت حول الارهاب الفلسطيني ، والعمليات الفلسطينية المسلحة ضد اسرائيل وآخرها في نتانيا ، وأفاض السفير الاسرائيلي في مقولات باتت تقليدية من فرط ما رددها الاسرائيليون خلال الخمسين عاماً الماضية..- ، مع اللجوء بالطبع لفرصة السلام في كامب ديفيد وما كان باراك قد قدمه على طبق من ذهب لعرفات، مع عدم توفير الهجوم على هرفات بالطبع باعتباره كان رجلاً لا يريد السلام، ويعتمد على " الارهاب " الفلسطيني في ادارة دفة الحوار مع اسرائيل فما كان من السفير المصري محمد العرابي الا ان حول دفة الحديث عن العلاقة بين الارهاب والمقاومة المشروعة حسبما تقر المواثيق الدولية ، مثيراً قضية الاحتلال الاسرائيلي، وعدم التزامها بتعهدا تها سواء ضمن خارطة الطريق أو أوسلو، أو حتى وفقاً للمقررات الدولية، مع رد غيبة عرفات ورفض ما قاله السفير الاسرائيلي عنه، باعتباره رمزاً فلسيطيينياً سعى لتحرير وطنه من الاحتلال ليتجاوز بذلك للمرة الثالثة الفخ الذي نصبه له المحاور والسفير الاسرائيلي معاً حين ارادا الربط بين ما تقوم به منظمة الجهاد الاسلامي وكذلك حماس والارهاب - مشيراً إلي ان اسرائيل تستطيع الخروج من ذلك المأزق اذا ردت الحق لاصحابه والأرض لأصحابها الحقيقيين مثلما يطالب العالم كله ومنظماته الدولية..وحينها لن يستطيع أحد وصف ما تقوم به المنظمات الفلسطينية بالمقاومة المشروعة وسيقف العالم كله حينها من اسرائيل. وبذا سجل السفير المصري هدفاً اضافيا في مرمى السفير الاسرائيل – الجمه لثوان، وجعله يفقد اعصابه ويبدأ الحديث بالانجليزية لعدة دقائق - وخاصة وان السفير المصري كان قد دخل قاعة الندوة ويده بيد السفير الفلسطيني في برلين عرج المحاور اخيراً على الديموقراطية، في تلميح لا يخُطئ حول ما يحدث في مصر وما يحدث في اسرائيل ، فرد السفير المصري بأن الديموقراطية في مصر لها تقاليد منذ عام 1923، أي قبل أن تنشأ دولة اسرائيل، مستفيضاً في ان للدول المختلفة خبراتها المختلفة فيما يتعلق بالديموقراطية، والا لما كنا الآن نرى هرولة السياسيين الاسرائيليين من الليكود والعمل لحزب اسرائيلي جديد، وهي صور من الديموقراطية ما كان أحد يعتقد ان يراها حتى قبل شهور فقط، وعليه فلا داعي لفتح باب الحوار حول الديموقراطية والتي قد يطول فيها البحث.. لتنتهي الندوة بفوز السفير المصري بالضربة القاضية لم أكن أتصور حين ذهبت لحضور تلك الندوة انني سأكتب ما كتبت الآن، وكنت اعتقد ان السفير المصري سيتمترس وراء الكثير من الحجب والجدران، وسيضطر للدفاع طيلة الندوة عن موقف ونظام . لكني اكتشفت ببساطة ان ممثلي مصر في الخارج يتحولون حين يتخلصون ولو قليلاً من القيد المفروض عليهم والخاص بعدم التحدث في السياسة، إلي مقاتلين مصريين اشداء، وخاصة وان هذا القيد حول اهتمامات الكثيرين منهم من السياسة والدبلوماسية إلي أشياء أخرى لا علاقة بعملهم بها.. ولذا اعترف ان السفير محمد العرابي لم يسجل اهدافه فقط في مرمى السفير الاسرائيلي ، وانما ايضاً سجل هدفاً في مرماي، بعد ان كنت قد سننت اسناني وذهبت للندوة لتصيد ما سيقع فيه من اخطاء، لكنه فعلها وهزم السفير الاسرائيلي هذه المرة بالضربة القاضية. وهذا مما يُسعدني.