_ لما كان من الأهداف الأساسية لسن القواعد القانونية تحقيق العدل بين أبناء الشعب .ومن مظاهر عدل الحاكم أن يختار العلماء المنصفين بطانة له ،فهم الأمناء في نصيحته، المقومين لعوجه، أما أن يتوه العدل بسبب عدم احترام القانون،أو سن قوانين خاصة لإماتة العدل وتشتيت الهدف من سن القوانين فهذا مالا يمكن تصوره،ولايمكن لدولة أن تقوم علي أساسه،ولا تُبني علي مُحَياه. _ إن ما يرديك عجباً أن تعلم أن من بين أهم أسباب تقديم الاقتراحات لخلق قانون معين أن تكون هناك مشكلة اجتماعية تسبب أزمة للشعب في الصحة أو التعليم أو الإسكان أو الأرض أو الوظائف العامة والأجور أو في القطاع الخاص ومجال الاستثمار ثم تري القائمين علي التشريع وسن القوانين يخلقون قوانين تزيد من الأزمة ولا صلة لها من قريب أو بعيد بحلها بعد الوقوف علي أسبابها وآثارها التي قد تكون فاتكة بأواصر النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فتراك أمام أزمة طاحنة في المجال الصحي فتري تشريعاً يصدر لتأميم القطاع الصحي وترك المرضي من الفقراء والمستضعفين لقمة سائغة للأمراض تهصرهم ،ولأبواب المشافي يتسولون الدواء !! ثم تراك أمام مشكلة في مجال الاسكان فتصبح علي قانون قد صدر يمنع من استيراد المواد الأولية اللازمة للبناء،وما يتبعها من مواد مكملة لتشطيبها، لتجد الناس تلاطمهم أمواج حيتان الإسكان ومواد البناء!! ثم تُمسي علي مشكلة تخص التعليم وضعف ميزانيته إلي حد جعلت من الجامعات المصرية لا مكان لها ولا مكين في عالم العلم ثم تنام علي قانون صدر يخفض ميزانية التعليم ويزيد من ميزانية أجور طوائف خاصة من الموظفين، أو يزيد من ميزانية نشاط رياضي !! ثم نكون في أزمة طاحنة تخص ضعف الاستثمار إلي حد انعدامه ثم تجد نفسك أمام قانون فيه سم قاتل للاستثمار !! ثم تذهب لتسكن إلي الراحة في جوف بيتك فتشاهد التلفاز لتجد أن الادعاءات هنا وهناك أن أرض مصر وربوعها قد بيعت وصُدِق علي بيعها ،فتضرب بيداك كلتاهما الأخري، حتي إذا ما قرأت صحيفتك اليومية المفضلة لا تجد ثَم وجود لمجلس الأمة ،المدافع عن حقوقها، والحامي لحرم سيادتها أرضاً وبحراً وجواً!! ثم ما يرهبك دهشة أن يثار الأمر كقضية ، فينظرها القضاء الإداري ، ثم يطعن علي الحكم ، فينظره القضاء الاداري ثانية ، ثم تجد القضية أمام قضاء عادي مستعجل غير مختص أصلاً بأمر قضية إدارية ، والعجاب أنه هو الآخر يصدر فيها حكماً رغم عدم اختصاصه، ثم تري ذات القضية رغم أن القضاء لازال ينظر أمرها قد أحيلت لمجلس الشعب ليناقش وضعها ويبت فيها !!!!( والمسألة في الأساس القانوني قد تكون باطلة بطلاناً مطلقاً) . _ إن السبب الرئيسي لكل هذا التخبط هو عدم الاستعانة بالعلماء الصالحين المتخصصين، والاستغناء بمن سواهم من المصفقين والمهللين للسيئ قبل الحسن، وللخراب والدمار قبل البناء والاستعمار،إذا أحسن الحاكم هاموا عشقاً في هواه، ثم إذا أساء صفقوا له بانتشاء، حتي وإن أُسدِل عليهم لقب العلماء. أنصتوا بعقولكم إلي تلك الكلمات الرشيدة التي يهديها الإمام الفقيه أبو بكر الطرطوشي المالكي (المتوفي سنة 520ه) في كتابه الماتع سراج الملوك إلي الحكام والرؤساء والمسؤلين في كل فجاج الأرض إذا ما أرادوا إدارة ناجحة وسياسة حكيمة تقيم العدل علي أرض حكمهم يحثهم بأنه لا بديل عن الاستعانة بالمتخصصين الصادقين لاقامة دولته وحفظ محاسن سياسته،يقول:(علي السلطان أن يجمع إلى نفسه حملة العلم الذين هم حفاظه ورعاته وفقهاؤه، وهم الأدلاء على الله والقائمون بأمر الله، والحافظون لحدود الله والناصحون لعباد الله. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين النصيحة! إن الدين النصيحة! إن الدين النصيحة! قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. فاتخذ أيها الملك العلماء شعاراً والصالحين دثاراً، فتدور المملكة بين نصائح العلماء ودعوات الصلحاء، وأخلق بملك يدور بين هاتين الخصلتين أن يقوم عموده ويطول أمده! وكيف لا وقد قربهم الله في سلطانه واصطفاهم بخالص معرفته، فقال جل من قائل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18) . فبدأ بنفسه وثنى بملائكته، وثلث بأولي العلم . وإلي لقاء آخر عن عدل الحاكم .
د. محمد فتحي رزق الله مدرس مساعد القانون الخاص ،جامعة الأزهر