إذا أرادت القوى الوطنية المطالبة بالإصلاح والتغيير في بلادنا شعارا جامعا تلتف حوله في معركتها الطويلة والصعبة ضد الفساد والاستبداد .. فلا أرى شعارا يمكن ان تتحد وتحتشد خلفه جميع الأحزاب والتيارات على اختلافها وتنوعها سوى شعار "تسييس المصريين هو الحل" .. وذلك بعدما تأكد للجميع على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية والأحداث التي رافقتها أن نظام الحكم في مصر هو المستفيد الوحيد من عدم تسييس المصريين .. وأدركوا من واقع التجربة العملية أن قوة النظام وسطوته تستمد من ابتعاد الناس عن الشأن السياسي وانشغالهم عن الأمور العامة .. وسواء كان هذا الابتعاد خوفا من القمع البوليسي أو الانشغال بلقمة العيش ، فإن المحصلة النهائية تقول إن الإصلاح لن يتحقق ما لم تنجح القوى الوطنية في جذب قطاعات واسعة من الجماهير إلى الحياة السياسية ، وإخراج العمل السياسي من إطاره النخبوي الضيق إلى المحيط الشعبي العام .. ومع احترامي وتقديري الشديد لحركة كفاية وشعارها "لا للتمديد .. ولا للتوريث" - وكاتب هذه السطور عضو فيها - فانه شعار تجاوزته المرحلة الراهنة ولم يعد يلبي استحقاقاتها .. فالتمديد قد تم بالفعل وبات أمرا واقعا .. أما التوريث فهو مشروع مؤجل ومتوقف على قدرة المصريين على مناهضته ، وهو مؤكد فشله في حال قطعت القوى الوطنية شوطا معتبرا في مهمة تسييس المواطنين .. كما ان التوريث هو مجرد عرض وقتي من أعراض الاستبداد وليس هو العلة الأساسية .. فلولا الاستبداد ما فكروا في التوريث .. وإذا لم يكن التوريث فسيستمر الاستبداد .. والعلاج في هذه الحالة يجب ان يتجه نحو العلة وليس العرض .. ولكي يتعافى الوطن ويبرأ من أسقامه يجب على أبناءه تناول الدواء السياسي وإن كان مؤلما ومرا ، بانخراطهم في الأحزاب والحركات السياسية أفواجا دون خوف أو رهبة .. والمشاركة بفاعلية في قضاياه المصيرية دون تخاذل أو سلبية .. أما شعار "الإسلام هو الحل" فهو برأيي شعار أخلاقي يخاطب الضمير أكثر منه شعار سياسي يخاطب الواقع .. ومع احترامي وتقديري أيضا للجهة التي ترفعه وتأكدي من صدق نواياها وسلامة مقاصدها .. لكن ذلك لا يمنع من القول انه شعار عام وفضفاض وقد يكون مفرقا وليس مجمعا .. نعم ان الإسلام دين شامل يحوي شريعة متكاملة وتستظل بلادنا في حضارته وعالمه وافهم انه يمثل مرجعية فكرية وإلهاما روحيا لقطاع عريض من المجتمع ، بما له من حيوية ومرونة تمكنه من التعاطي مع المستجدات من خلال اجتهادات علمائه ومفكريه عبر العصور والأزمنة . لكن الشعار مع ذلك وظف في غير موضعه تماما .. فالإسلام كموجه عام في حياة الإنسان وضبط سلوكه تحقيقا لخلافة الله على الأرض ، ليس لائقا ابتذاله إلى شعار انتخابي يحسم خيارا بين فرقاء سياسيين .. فهو دين يعطي بعدا أخلاقيا وروحيا ومبادئ فكرية عامة في الحياة .. أما السياسة فهي اجتهاد رؤى بشرية في أمور حياتية متغيرة ، وهي بذلك تكون قابلة للنقد والمراجعة وتسمح بالتعديل والتغيير حسب ظروفها وطبيعتها .. ولكي نفصل الأمر أكثر ، نقول إن الإسلام - كدين وحضارة - يضم مبادئ تشريعية سياسية واقتصادية عامة تهدف إلى ضمان الحقوق وتأمين حدود العدل في المجتمع وتحقيق المصالح العامة في إطار مقاصد الشريعة التي تفتح بابا واسعا للاجتهاد .. ولكنها تظل في النهاية مجرد مبادئ عامة ، أما التطبيق العملي فهو بيد أناس لهم رؤى مختلفة ومناهج متباينة في أسلوب التنفيذ وتحديد الأولويات ، وهذه الرؤى السياسية هي التي تقوم عليها عملية المفاضلة والاختيار بين البرامج المعلنة لكل فصيل أو تيار أو حزب سياسي .. ولهذا كان يحق لجماعة الإخوان المسلمين ان ترفع في الانتخابات شعارا يقول مثلا أن "برنامج الإخوان هو الحل" .. ولم يكن من حقها بأي حال رفع شعار "الإسلام هو الحل" الذي لا يتأتى لأحد احتكاره أو توظيفه لمصلحة انتخابية أو سياسية مهما كانت الأسباب أو المبررات .. وفي الأخير .. قد يكون من الملائم في هذه المرحلة الفارقة التي تشهد تحولات مصيرية في حاضر ومستقبل البلاد .. أن تتبنى القوى الوطنية وعلى رأسها الجبهة الوطنية للتغيير التي تندرج في إطارها أحزاب المعارضة وكفاية والإخوان ، شعار "تسييس المصريين هو الحل" باعتباره الشعار الإصلاحي الجامع الذي يعمل على تحريك الجماهير المغيبة واستنفار طاقات الناس المعطلة ، ويلبي طموحات النخب السياسية الساعية لكسب الشارع في معركة الإصلاح والتغيير . [email protected]