جبهة الشباب تطيح ب"الحرس القديم" وتشكل "مكتب إرشاد" موازٍيًا.. وعروض دولية ل"مجموعة عزت" لإعادة دمج التنظيم في الحياة السياسية تساؤلات حول نجاح جبهة "كمال" في توفير نصاب اجتماع مجلس الشورى مصادر تتوقع فشل جبهة منتصر وغياب التوافق يعرقل أي محاولات للتسوية
لأول مرة منذ تأسيسها قبل نحو 90 عامًا، تشهد جماعة الإخوان المسلمين انقسامًا حادًا يصل ذروته لانقسام معلن، على إثر حرب بيانات دائرة بين طرفي الأزمة في التنظيم. الإخوان التي مرت على مدار سنواتها التسعين، بثلاث مراحل من التأسيس، لا تزال متعسرة في مخاضها الرابع، بين جبهتين إحداهما تمثل الحرس القديم (أغلبهم من آخر مكتب إرشاد)، وشباب يتهمون الشيوخ بالتسبب في تصدع جدار الجماعة، وخسارتها مكاسب مع بعد ثورة يناير، والفشل في إدارة ملف أزمة ما بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي (المنتمي تنظيميًا للإخوان)، صيف 2013. وتتمثل أزمة الإخوان الداخلية في الاختلاف على شرعية القيادة، وأسلوب مقاومة النظام الحاكم حاليًا. ومنتصف الأسبوع الماضي، كانت الجماعة مع موعد آخر من فصول الأزمة؛ حين كشف المتحدث الشاب (المستقيل) محمد منتصر، وهو اسم حركي لأحد شباب الإخوان في الداخل، عن تغييرات وانتخابات جديدة في صفوف "الجماعة"، فيما نفى المتحدث (الرسمي) للإخوان، طلعت فهمي، المحسوب على جبهة "الحرس القديم" بزعامة نائب المرشد محمود عزت، إجراء أية انتخابات أو تغييرات. مصدر إخواني، على الحياد من أزمة الجماعة، توقع فشل جبهة منتصر في إقرار الانتخابات التي أعلن عنها مؤخرًا. وأوضح المصدر، متحفظًا على ذكر اسمه، ل"المصريون"، أن "إجراء انتخابات وإقرار لائحة للنظام الداخلي عبر أي من الطرفين، صعب للغاية". وقال إن "التغيير مرتبط بانعقاد عدد محدد من الهيئة الشورية للجماعة (أعلى هيئة رقابية بالإخوان)، ولا يتوفر لكلا الطرفين توفير العدد المطلوب للانعقاد في ظل الأزمة الراهنة، بجانب انقسام المكاتب الإدارية التي تصل ل 28 مكتبًا إداريًا، بخلاف الملاحقات الأمنية". المصدر، الذي يعد من قيادات الصف الثاني بالجماعة، أشار إلى أن "غياب التوافق في الصف الإخواني، سيفشل أية مساع لحلحلة الأزمة الراهنة". وتوقع أن تفشل الجبهة المحسوبة على المتحدث منتصر، في تمرير "ما قالت إنه انتخابات جديدة"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى عدم قدرة شيوخ التنظيم في السيطرة على مفاصل الجماعة للسبب ذاته "غياب التوافق". ودعا المصدر جبهتي الصراع بالإخوان، إلى تحكيم "العقل ومبدأ الإخوة"، في التعامل مع الأزمة، والتوافق على آلية لتطوير اللائحة الداخلية للتنظيم. واللائحة الداخلية للإخوان، تنظم "أطرها التنظيمية، والتدرج الوظيفي، والمهام والأهداف، وغيرها من الأمور الإدارية"، وخضعت لأكثر من تعديل، منذ نشأة الجماعة عام 1928، حتى الشروع في تعديلها العام الحالي، سواء بإضافة لوائح جديدة (جزئية) أو تغيير كلي. الانقلاب الرابع والأزمة التي كانت نار تحت الرماد، سريعًا ما عاودت الاشتعال، الإثنين الماضي، إثر إعلان المتحدث المستقيل "منتصر" تكوين مكتب إرشاد موازٍ بخلاف المسيطر حاليًا والمتمثل في القيادات التاريخية وعلى رأسها القائم بعمل المرشد الحالي محمود عزت. وفي بيان له، قال منتصر إن "مجلس شورى الإخوان عقد اجتماعًا بالقاهرة لبحث قرارات مهمة، أبرزها إعلان استقالة اللجنة الإدارية العليا، وإجراء انتخابات قاعدية داخل صفوف التنظيم وانتخاب قيادة جديدة. وأعلن منتصر 3 قرارات، الأول: احتفاظ محمد بديع بموقعه كمرشد عام للجماعة، وكذلك احتفاظ جميع أعضاء مكتب الإرشاد في السجون بمواقعهم، والثاني: الفصل بين الإدارة التنفيذية للجماعة الممثلة في مكتب الإرشاد والهيئة الرقابية التشريعية الممثلة في مجلس الشورى العام، والثالث: انتخاب مجلس الشورى من بين أعضائه "رئيساً ووكيلاً وأميناً عاماً". وفي المقابل، نفى طلعت فهمي، المتحدث باسم الجماعة "جبهة الحرس القديم"، ما قاله منتصر عن انعقاد مجلس الشورى العام للجماعة داخل مصر. وقال في بيان، إن "منتصر تم إعفاؤه من مهمة المتحدث الإعلامي في 14 ديسمبر 2015، وبالتالي فهو لا يمثلها ولا يتحدث باسمها من قريب أو بعيد". فهمي المقيم في تركيا، شدد في بيانه، على أن المتحدثين باسم الجماعة هم: القائم بأعمال المرشد العام (محمود عزت)، ونائب المرشد العام (إبراهيم منير)، ورئيس اللجنة الإدارية العليا (محمد عبدالرحمن)، والأمين العام (محمود حسين)، والمتحدثون الإعلاميون.
بداية الأزمة وتعود بداية أزمة الإخوان إلى فبراير 2014، حين أجرى مجموعة من أعضاء مكتب الإرشاد الذين بقوا في مصر انتخابات داخلية، قالوا إنها قد تمت رغم الظروف الأمنية. وأبرز أسماء هذه المجموعة، محمد طه وهدان، والذي تم اعتقاله في مايو 2015، ومسئول قطاع الصعيد محمد كمال، والذي تمت تصفيته أمنيًا في أكتوبر الماضي، وشكلت هذه المجموعة مكتب إدارة الأزمة برئاسة محمد كمال، و"مكتب إدارة الأزمة بالخارج" برئاسة أحمد عبدالرحمن، وتم تعيين محمد منتصر (اسم حركي) متحدثًا رسميًا باسم الجماعة في يناير 2015. غير أن محمود عزت، النائب الأول للمرشد، قاد انقلابًا داخل الجماعة على ذلك المكتب، في مايو 2015 بعد اعتقال "وهدان". وآنذاك قلَّد محمود حسين، أمين عام الجماعة، "عزت "مرشدًا للجماعة، في بيان رسمي، بدعوى أنه "نائب المرشد، وينوب عنه وقت اعتقاله، وأن هذا ما تمليه لائحة الجماعة"، وذيل "حسين" بيانه باسم الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين. وبانقلاب "عزت" أصبح للجماعة جناحان، أحدهما انتخب في فبراير 2014، ظل على أساسه محمد بديع في منصبه مرشدًا للجماعة، وانتخب مكتبا لإدارة الأزمة يقوده محمد كمال، وصعدت الانتخابات عددًا من الوجوه الجديدة والكوادر الشبابية داخل مكتب الإرشاد، وهذه المعلومات أكدها منتصر المتحدث باسم التنظيم. ورد محمد منتصر، متحدث الإخوان على انقلاب محمود عزت، بأن "حسين" لم يعد أمينًا عامًا للجماعة؛ حيث أطيح به هو وعزت ومحمود غزلان، وعبدالرحمن البر من مكتب الإرشاد في انتخابات 2014، الأمر الذي زاد الخلاف بين أقطاب الجماعة. كواليس الأزمة بعد إعلان محمود حسين، الأمين العام للجماعة، أن محمود عزت هو القائم بأعمال المرشد، رد منتصر ببيان أكد فيه أن "الخيار الثوري بشكله المعروف وبكل آلياته خيار إستراتيجي لا تراجع عنه"، وأنه تم تشكيل لجنة لإدارة الأزمة على إثر انتخابات داخلية تمت رغم الملاحقات الأمنية، وجاء ذلك ردًا على تصريحات محمود حسين التي حاول فيها سحب شرعية جبهة محمد كمال. وفي ديسمبر 2015، ظهرت الأزمة للعلن، بعد إصدار القائم بأعمال المرشد، محمود عزت، قرارًا بحل مكتب إدارة الأزمة، وإعفاء محمد منتصر من منصبه وتعيين طلعت فهمي، متحدثًا باسم الجماعة، وهو ما لاقى رفضًا من جانب جبهة كمال، ورفض من 11 مكتبًا إداريًا تلك القرارات. ومنذ ذلك الحين، خرجت مبادرات عدة من الإخوان ومن خارجهم لحلحلة الأزمة، كان أبرزها مبادرة الشيخ يوسف القرضاوي، التي طالب فيها بوقف التراشق الإعلامي بين قيادات الجماعة، ودعا طرفي النزاع إلى العمل والتعاون فيما بينهما في إطار المؤسسات القائمة للجماعة حتى إجراء الانتخابات. وكان موقف الجبهتين، من مبادرة القرضاوي، مرحبًا، إلا أنها لم تترجم إلى خطوات عملية.