رغم أن تل أبيب سارعت لاستغلال حادثة الهجوم على المدرسة اليهودية في مدينة تولوز الفرنسية في 19 مارس التي أسفرت عن مقتل حاخام إسرائيلي وثلاثة أطفال لكسب التعاطف العالمي معها وتبرير جرائمها المتواصلة ضد الفلسطينيين، إلا أنها سرعان ما تلقت صفعة قوية في هذا الصدد. ففي 20 مارس، أثنى عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة حماس على وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون لتذكيرها بالأطفال الذين يقتلون في غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية حين تحدثت عن الهجوم على المدرسة اليهودية في تولوز، الأمر الذي أغضب تل أبيب بشدة. ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن الرشق القول في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" إن تذكير آشتون بأطفال غزة في حديثها عن هجوم تولوز يستحق الشكر والتقدير، والمساندة في وجه محاولات إسرائيل إرهابها والضغط عليها. وكانت أشتون قالت في بروكسل خلال لقائها مع شبيبة من فلسطين، معلقة على حادثة تولوز :"عندما نفكر فيما حدث في تولوز، عندما نتذكر ما حدث في النرويج قبل عام، عندما نعرف ما يحدث في سوريا، عندما نرى ما يحصل في غزة وفي مناطق أخرى من العالم، نفكر في الشباب والأطفال الذين يلقون مصرعهم". وأشادت آشتون بالشباب الفلسطينيين الذين قالت إنهم يواصلون التعلم والعمل والحلم ويطمحون إلى مستقبل أفضل رغم كل الصعاب. وعلى الفور، انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان تصريحات آشتون، وقال في بيان له:" إنها ليست ملائمة، ويجب عليها إعادة النظر فيها والاعتذار عنها". وزعم ليبرمان أن إسرائيل هي البلد "الأكثر أخلاقية" في العالم، كما زعم أيضا أن الجيش الإسرائيلي يقوم بكل ما بوسعه لتجنب إلحاق الضرر بأهالي قطاع غزة على الرغم من أنهم يدافعون عما سماهم "الإرهابيين". وبالنظر إلى أن مزاعم ليبرمان السابقة تتناقض تماما مع إحصائيات الأممالمتحدة التي تؤكد أن معظم الضحايا الذين يسقطون في قطاع غزة خلال الهجمات الإسرائيلية هم من الأطفال والنساء والشيوخ، فقد حذر كثيرون من أن حادثة تولوز ترجح أن الأسوأ مازال بانتظار العالم بأسره في حال واصل التزام الصمت تجاه جرائم الكيان الصهيوني البشعة ضد الفلسطينيين. وكان وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان أعلن في 21 مارس أن الرجل البالغ من العمر 24 عاما الذي يشتبه بأنه منفذ الهجمات التي أسفرت عن قتل ثلاثة عسكريين فرنسيين في تولوز ومونتوبان في جنوب غرب فرنسا في 11 و15 مارس وثلاثة أطفال وحاخام إسرائيلي أمام مدرسة يهودية في تولوز في 19 مارس هو "متطرف إسلامي على ارتباط بتنظيم القاعدة". ونقلت وسائل الإعلام الفرنسية عن غيان القول :"قام هذا الشخص في الماضي برحلات إلى أفغانستان وباكستان ويقول إنه ينتمي إلى القاعدة وإنه أراد الانتقام للأطفال الفلسطينيين في غزة ومهاجمة الجيش الفرنسي". وتابع غيان أن الشرطة الفرنسية اعتقلت شقيق المشتبه به واستدعت والدته، واصفا المشتبه به بأنه "كثير الكلام" وأنه تحدث خلال محاصرته في أحد المنازل عن قناعاته بتنفيذ الهجوم انتقاما للأطفال الفلسطينيين وتأكيد رفض وجود القوات الفرنسية في أفغانستان. ومن جانبها، نقلت قناة "الجزيرة" عن مصادر أمنية فرنسية القول إن والدة المشتبه به والذي يعتقد بأنه من أصل جزائري رفضت الاتصال بابنها، وقالت إنها لا تستطيع التأثير عليه لتسليم نفسه. وتابعت المصادر ذاتها أن أجهزة الأمن الفرنسية كانت تتعقب المشتبه به منذ فترة وتعرف أنه وجد مؤخرا على الحدود الباكستانية - الأفغانية، قائلة:" إنه كان مع آخرين تحت مراقبة المديرية العامة للاستخبارات الداخلية منذ الاعتداءين الأولين في 11 و15 مارس". وفي السياق ذاته، تحدثت القناة التليفزيونية الفرنسية "بي إف إم تي في" عن تكهنات بأن المشتبه به له صلة بجماعة إسلامية تدعى "فرسان العزة". وكان منفذ هجوم تولوز في 19 مارس فر هاربا على متن دراجة نارية بعدما فتح النار على مجموعة من الأشخاص كانت تنتظر حافلة لنقل تلاميذ أمام المجمع التعليمي اليهودي في المدينة . وذكرت مصادر أمنية فرنسية في وقت سابق أن المهاجم كان يحمل سلاحين "عيار 9 ملم وآخر عيار 11.43 ملم" أحدهما من نفس العيار الذي استخدم في أحد الهجومين السابقين في 11 و 15 مارس. ومن جانبه، تحدث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عما سماه "تشابها مذهلا" بين هجوم 19 مارس وواقعتين منفصلتين لإطلاق النار قتل فيهما ثلاثة جنود فرنسيين من أصول كاريبية ومغاربية في مونتوبان وتولوز في 11 و 15 مارس، قائلا:" إن أحد الجنود الثلاثة الذين قتلوا في الواقعتين السابقتين كان من أصل كاريبي، وإن الاثنين الآخرين مسلمان". ووصلت إلى إسرائيل في 21 مارس الطائرة التي تنقل جثامين الأطفال الثلاثة والحاخام، الذين قتلوا في هجوم تولوز، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر ملاحية بإسرائيل القول إن الطائرة التابعة لشركة العال الإسرائيلية كان على متنها أيضا حوالى خمسين شخصا من أقارب القتلى، بالإضافة إلى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه. وتابعت المصادر ذاتها أنه تقرر أن يتم تشييع جثامين جوناثان ساندلر، وهو فرنسي يبلغ من العمر ثلاثين عاما وولديه غابريال "أربع سنوات" وآرييه "خمس سنوات"، بالإضافة إلى ميريام مونسونيجو "سبع سنوات" وهم فرنسيون إسرائيليون في مقبرة "هار هامينهوت الكبرى" بالقدس. ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف هجوم تولوز بأنه عملية يحركها عداء عنيف ودموي للسامية، إلا أن ما يجمع عليه كثيرون أن العالم بأسره يحصد حاليا ما زرعته إسرائيل من إرهاب وعنصرية، ولذا لا بديل عن وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي لإرغام تل أبيب على إنهاء الاحتلال ومعاقبتها على جرائمها البشعة بحق الفلسطينيين.