في يوم الاثنين 28/11/2016 حصل التالي: أصدر رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل قرارا بإعفاء الدواجن المستوردة من الجمارك لمدة 6 أشهر، وبأثر رجعي يبدأ من يوم 10/11/2016. لماذا كان هذا القرار، وما هى ضروراته، ولماذا كان بأثر رجعي لمدة 18 يوما؟. لا يحتاج الأمر لتفعيل نظرية المؤامرة للاستنتاج أن هناك شيئا ما كان وراء القرار المباغت وطريقة إعداده وتأريخه، وكان طبيعيا أن يكون هناك سؤالان: لماذا تلجأ الحكومة للتأثير على الصناعة الوطنية في الدواجن والتي يرتفع البعض باستثماراتها إلى 60 مليار جنيه، ويعمل فيها عدة ملايين، بمثل هذا القرار غير المفهوم ولا المبرر والذي كان سيحرم الخزينة العامة من 400 مليون جنيه جمارك على ما يتم استيراده خلال الستة أشهر فترة الإعفاء؟. ولماذا تجعل الحكومة تطبيق القرار يبدأ من يوم 10 من نوفمبر، وليس من يوم نشره في الجريدة الرسمية؟. هل هناك مصلحة، هل هناك من يُراد تربيحهم وتنفيعهم، هل هناك رسالة أو رسائل يُراد إدخالها البلاد ومتوقفة في الميناء ويأتي القرار ليجعل طريقها سالكة لبطون المستهلكين مع فائدة تقدر بالملايين من عائد إعفاء ال 30% جمارك على الدواجن المستوردة؟. هناك أسماء لشركات وأشخاص مستوردين طُرحت باعتبارهم مستفيدين من القرار الذي فتح الباب واسعا لكل هذه الاستنتاجات والتكهنات وما هو أكثر منها. لا يجب على الحكومة أن تلوم الإعلام، بل عليها أن تلوم نفسها فهى من تفننت في صنع أزمة، ودفعت الجميع إلى الاندهاش والاستغراب فالكلام، وهى من جعلت أطراف استثمارات الدواجن تهب وتنتفض وتدافع عن مصالحها حيث نكتشف مجددا وجود صناعة قائمة تتعافى بحاجة لاهتمام ورعاية الدولة، كما أن أطراف تلك الصناعة بحاجة أيضا لعدم القسوة على المواطن المستهلك في الأسعار. هناك من قال إن الرسالة الموجودة في الميناء لم تكن لشركات خاصة، إنما للدولة، وبالتالي فالقرار ليس موجها لصالح أحد، وإذا كان الأمر كذلك، فالدولة لا تدفع جمارك، فلماذا يصدر القرار بأثر رجعي؟. تلك سياسة غامضة ومعتمة، ولم يعد ممكنا التذاكي على أحد في ظل الإعلام الجديد القادر على التحليل والتفسير والكشف والتجريس، عقول منفتحة متفتحة، ألسنة حداد، كلمات شداد، وحتى الإعلام التقليدي لايزال مؤثرا، لكن الحكومة والنظام يبدو أنهم يعيشون في الماضي غير مدركين لذلك التطور الهائل في الوعي والفهم والإدراك. القرار كان كاشفا عن شيء ما مخبوء في باطنه، وكان مهددا للاستثمارات المحلية في تربية الدواجن كما قال جميع أطراف هذه العملية الإنتاجية، ودعكم من أسطوانة مصلحة المواطن، لأن المواطن ليس شيئا مذكورا عند أحد، وإلا ماكن هذا حاله البائس اليوم. ثم في يوم الاثنين 5/12/2016 حصل التالي: أصدر رئيس الوزراء نفسه وهو المهندس شريف إسماعيل قرارا بإلغاء قراره الأول بإعفاء الدواجن المستوردة من الجمارك فترة ال 6 أشهر. في خلال سبعة أيام فقط شطبت الحكومة قرارها، انتقلت من نقيض إلى نقيض، بالأمس كانت تدافع عن القرار بهمة ونشاط، واليوم تلغي القرار وتبرر لكن مع بعض الخجل. لكن لا ندري هل كميات الدجاج المستوردة التي تم تداول أنباء بشأن وجودها في الموانئ، وأسماء أصحابها، واستفادت من قرار الإعفاء سيتم تحصيل الجمارك منها أم لا ويضيع المال العام والحق العام؟. كيف تكون للحكومة هيبة سياسية، وكيف تكون صورتها أمام الشعب، وأمام الخارج، وكيف يثق الاستثمار الخارجي أو الداخلي في جديتها، وكيف تمارس عملها، هل تدرس موضوعاتها بجدية ثم تصدر قراراتها مطمئنة إلى سلامتها، أم أن قرار الإعفاء عنوان آخر غير سار على طريقة عملها، ولماذا لم تجتمع مع أطراف صناعة الدواجن أولا للتباحث معهم بشأن الأسعار والتخفيف عن المواطنين طالما كان ذلك هدفها الظاهر في إصدار قرار الإعفاء من الجمارك، ألا تعلم بوجود مزارع وإنتاج محلي من الدجاج يغطي نحو 90 % من السوق، أم اكتشفت ذلك مع ضجة الإعلام ومع اجتماع رئيس الحكومة بالمنتجين، ثم مع عدد من وزراءه، ثم تراجعه عن قراره؟. ما حدث قد يُفسر في كونه انعدام كفاءة والعشوائية في إدارة الشأن العام، أو أنه الفساد ذلك الوحش الذي تفشل كل الحكومات والأجهزة والأنظمة عن ملاحقته ومواجهته ومحاصرته ثم القضاء عليه؟. قل لنا يا رئيس الوزراء، قل للشعب، اكشف عن حقيقة صدور هذا القرار، هل كان من تفكيرك، من أحد مستشاريك، من أحد وزراءك، هل كان محاولة للاجتهاد لخدمة المواطن الغارق في لهيب الحياة والغلاء، وأنت تكتفي بشكره على أنه يتحمل هذا الغلاء، بدل أن تحاول إطفاء نيرانه والتخفيف من اشتعاله، أم كان هناك من أملى عليك القرار؟. هل الحكومة فاعلة وصاحبة سلطات وصلاحيات، أم حكومة سكرتارية كما كانت كل الحكومات في العهود السابقة باستثناءات محدودة وفي صلاحيات محدودة. مع ذلك حسنا أن الحكومة تراجعت، وعادت إلى الحق، لكن عليها الاستفادة من الدرس والتعامل مع الرأي العام من منطلق أنه يعي ما يجري حوله وأن الزمن لم يعد مثل الزمن السابق، لكنها لاتزال مطالبة بتفسير واضح لحقيقة الموضوع كله، ومطالبة أيضا برقابة فاعلة على الإنتاج المحلي وعلى التسعير واستخدام مختلف أدوات الضغط ليصل الإنتاج للمستهلك بالسعر المناسب، فإذا كنا مع حماية المنتج المحلي ورعاية ودعم الدولة له وتنمية هذا الاستثمار وتوفير كل المساندة والحوافز حتى يستمر ويقوى ويحقق كامل الاكتفاء الذاتي وبأسعار في المتناول، فإنه في نفس الوقت عليه ألا يسقط أوضاع المواطنين الصعبة من حساباته، وألا يجعل هدفه الوحيد هو الربح فقط، وحتى يتواصل التعاطف معه في بقاء الضريبة الجمركية بل وزيادتها. مصر بحاجة لوضوح في الرؤية، وقوة في الحكومة، وهمة في الرقابة على كل ما يتعلق بمعيشة الناس، وتوزيع أعباء تلك الفترة القاسية بعدالة حسب دخل كل فرد حتى لا يظل الفقراء ومحدودو الدخل ومتوسطو الحال هم من يدفعون من عرقهم ودمائهم كل الفواتير، وهم ليسوا سببا في المشاكل والأزمات التي أدت إليها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.