يعتبر الحق في الحصول على المعلومات من أهم حقوق الإنسان المدنية والسياسية التي تنادت المواثيق الدولية والإقليمية لتأكيده وكفالته في نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، كما دعت هذه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية الدول الأطراف إلى تكريس مثل هذا الحق في تشريعاتها الوطنية من خلال صياغة قوانين جديدة أو تعديل القائم منها بما يتناسب مع التأكيد على حق الفرد في الحصول من السلطات العامة على المعلومات التي يراها ضرورية. كما أن الحق في الحصول على المعلومات في الإطار الدولي ليس بالمطلق، حيث أجازت المعاهدات والاتفاقيات الدولية فرض قيود تنظيمية على ممارسة هذا الحق من خلال إعطاء الدول سلطة رفض الكشف عن أية معلومات أو أوراق ووثائق سرية بهدف المحافظة على النظام العام وحماية الأمن القومي والمصالح الداخلية العليا، لكن شريطة أن تكون هذه القيود واضحة ومحددة على سبيل الحصر في التشريعات الوطنية بحيث لا يجوز التوسع في تفسيرها والقياس حولها. إلا أن هذه السلطة المقررة دوليا لتنظيم حق الحصول على المعلومات غالبا ما تستند إليها الدول في تشريعاتها الوطنية لإنكار الحق في إعطاء المعلومات . إن إتاحة المعرفة وحق الوصول إلى المعلومات من أهم حقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية، وهو أحد أهم الأهداف التي تسعى ثورات الربيع العربي إلى تحقيقها لبناء نظم ديمقراطية حديثة في الوطن العربي. ولمناقشة التحديات التي تواجه تحقيق هذا الهدف، واستشراف الآفاق والتطلعات التي ترتبط به من وجهة نظر علم المكتبات والمعلومات الحرية، تلك الكلمة التي تهواها النفوس، وتتوق لها الروح لطبيعة البشرية المجبولة على هذا المكون الأساسي من مكونات الحياة الإنسانية فهي حق أساسي من حقوق الإنسان، وأبرز صورها حرية الرأي والتعبير، التي يعبر الإنسان من خلالها عن كل ما يجول في خاطره ويختلج في صدره. والإنسان، وهو يبحث عن التقدم، والتطور، وجد أن هذه الحرية لا يمكن ان تقوم بلا ضمانات أبرزها الحق في الحصول على المعلومات، حتى تتوفر له القدرة على "نقد" أي خلل في مجتمعه، وبالتالي بناء هذا المجتمع، وتطويره، وإعلاء أركانه، عبر التركيز على الخلل ومعالجته حتى لا يستشري، وتصبح المعالجة عقيمة. وليس هذا فحسب بل يتعلق هذا الحق بجوانب حياتيه تمس معيشة الإنسان بصورة مباشرة، لا بل أعماله وتصرفاته، فلهذا الحق دور أساسي في تشجيع التنمية، وتطوير الاستثمار، خصوصا في المجتمعات التي تشهد تطوراً وانفتاحاً استثماريا، مع ذوبان الحدود بين الدول كنتيجة حتمية للعولمة، وتنوع مصادر المعرفة، وانتشارها. ولأن هذا الحق حق إنساني بحت، فقد نصت عليه العهود، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، وحددت معالمه، كما جعلته هو القاعدة، وأشارت إلى الاستثناءات التي ترد عليه، إضافة إلى كونه حقا هاماً، وأساسياً، في مهنة الصحافة التي توصف بأنها "سلطة رابعة" لرسالتها الراقية في التنوير، والبحث عن الحقيقة في لب الموضوع. ولكن الأزمة الحقيقة تكمن في أن تلك المجتمعات، رغم حاجتها القوية لإنتاج البيانات، غالبا لا تمتلك القدرة على إنتاجها. ويرجع ذلك إلى وجود الكثير من التحديات والعقبات التي تقف في طريق تحقيق الشفافية في هذه المجتمعات، وترسخ مفاهيم الضبابية والتكتم على المعلومات.ورصد المؤتمر أبرز التحديات التي تواجه إتاحة المعلومات في مصر فيما يلي: 1. طبيعة النظام السياسي الذي يفتقد إلى حد كبير للمواصفات اللازمة لتحقيق الحكم الرشيد. 2. ترسيخ مبادئ الديمقراطية الحقيقية، وتمسكه بأن تظل الغالبية العظمى لأنشطة إنتاج وإتاحة المعلومات تحت سيطرة المؤسسات الحكومية بما تعانيه من بيروقراطية ومركزية. 3. عدم وجود سياسة أو إستراتيجية قومية للإحصاء والمعلومات، وعدم وضوح دور ”المنظم“ في إطار النظام القومي للإحصاء والمعلومات. 4. ضعف آليات التنسيق بين مختلف الجهات وما يرتبط بذلك من تضارب البيانات، وعدم اتساقها، واختلاف التعريفات والمنهجيات، وكذا تعدد الجهات المنتجة للبيانات والمعلومات حول نفس الموضوعات. 5. غياب آليات مراقبة جودة البيانات بما يؤثر في المصداقية والثقة في البيانات الصادرة، فضلا عن تأثيرها السلبي في اتخاذ القرار. 6. عدم تحديث الإطار التشريعي بما يتناسب مع التطورات الحالية نحو تطبيق المعايير العالمية لتنظيم جمع ونشر وتداول البيانات بسهولة، وفي التوقيت المناسب. 7. قصور برامج إعداد القدرات البشرية المؤهلة، وغياب المهارات المطلوبة لدعم فاعلية وكفاءة النظام القومي للإحصاء والمعلومات. 8. بالمقارنة بالأطر المؤسسية للإحصاءات في التجارب الدولية المختلفة، نلاحظ وجود بعض الصعوبات والغموض بسبب الطبيعة المزدوجة للمنظمات التي تعمل في مجال الإحصاء والمعلومات، حيث تقوم بعض هذه المؤسسات بإنتاج بيانات خام باعتبارها المصدر الرئيسي لها، في الوقت نفسه الذي تقوم فيه بنشر بيانات ومعلومات منقولة عن مصادرها الأساسية. ونظرا لهذه الطبيعة المزدوجة للجهات العاملة في منظومة الإحصاءات والمعلومات في مصر، فإن محاولة تصنيفها وتحديد مستوياتها والعلاقات التي تربط بينها تعَّد أمرا شائكا. ضرورة اتخاذ خطوة تكون بمثابة الحل لإرساء شفافية تداول المعلومات، خاصة في ظل التحول الديمقراطي الذي تشهده مصر، وهو صياغة قانون ينظم عملية تداول المعلومات والإفصاح عنها. ولكن لا يمكن التعويل على القانون وحده في حل كل المشكلات المرتبطة بحرية تداول المعلومات في مصر، لذلك تبنى المؤتمر إطاراً مقترحاً لإصدار وتطبيق القانون كما يلي: 1. مراجعة الإطار التشريعي: حتى يتم تفعيل قانون حرية تداول المعلومات وتحقيق الغرض من إصداره، ينبغي العمل على وجود اتساق بينه وبين غيره من القوانين والقرارات المطبقة - مع إعطاء الأولوية عند التفسير لقانون حرية تداول المعلومات - ومن أمثلتها: القانون رقم 35 لعام 1960 بشأن الإحصاء والتعداد، والقانون رقم 87 لعام 1960 بشأن التعبئة العامة والقوانين المعدلة، والقانون رقم 121 لعام 1975 بشأن صيانة الوثائق الرسمية للدولة وتنظيم وسائل نشرها.كما ينبغي أن يوفر قانون حرية تداول المعلومات الحماية للمسئولين الذين قاموا بالكشف عن المعلومات لتغيير ثقافة عدم الشفافية داخل المؤسسات الحكومية. 2. تهيئة مجتمعية لممارسة القانون: يعتمد الحق في الحصول على المعلومات على تغيير ثقافة السرية وإقناع المسئولين بالأجهزة الحكومية والخاصة بأن الانفتاح ليس مجرد التزام، ولكن هو حق من حقوق الإنسان. لذا، ينبغي طرح القانون المقترح للحوار المجتمعي، هذا إلى جانب ضرورة تثقيف الجمهور، ونشر الوعي العام بقانون حرية تداول المعلومات وحقوق الأفراد بعد إصدار القانون، سواء عن طريق وسائل الإعلام المختلفة – حملات إعلانية - أو عن طريق عقد ندوات وورش عمل. 3. الإطار المؤسسي المقترح لتنفيذ قانون حرية تداول المعلومات في مصر: تقاس متطلبات أمن نظم المعلومات في مواجهة الاهتمامات الشرعية لكل الأطراف المعنية من مطورين ومشغلين ومستخدمين يرتبطون باستخدام المعلومات وتدفقها، بهدف الوصول للتوازن طبقا للمجتمع الديمقراطي. وقد يفترض البعض غير الملم بأمن نظم المعلومات بأن ذلك قد يؤدي إلي قيود في الوصول للبيانات والمعلومات وفي تدفقها وحركتها. علما بأنه على العكس، يعزز الأمن الوصول للمعلومات وتدفقها من خلال توفير نظم أكثر دقة وموثوقية وتوافر. علي سبيل المثال، يساعد انسجام وتوافق توجيهات ومعايير الأمن الفنية في منع تكاثر النظم المتفرقة غير المترابطة معا، وبذلك توجد ضرورة في توافق أمن نظم المعلومات من حيث استخدامها وتدفقه بعدالة وتوازن في المجتمع الديمقراطي
الدكتور عادل عامر دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا