يبدو أن الأزمة السياسية في موريتانيا باتت مفتوحة على كافة الاحتمالات، خاصة بعد التصريحات النارية التي أطلقها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في 13 مارس وتحدى خلالها صراحة دعوات المعارضة للإطاحة بنظام حكمه. وكانت منسقية المعارضة التي تضم عشرة أحزاب نظمت في 13 مارس مظاهرة حاشدة في نواكشوط، اعتبرت الأكبر من نوعها في تاريخ البلاد، للمطالبة برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز. وردد المتظاهرون "عزيز ارحل"، و"أسعار المحروقات زادت 23 مرة"، وقال زعيم المعارضة أحمد ولد دحداح :"هذه المظاهرة، وهذا التجمع هما بمثابة استفتاء حول الرئيس ولد عبد العزيز". وشارك في المظاهرة أيضا الرئيس السابق "2005-2007" أعلي ولد محمد فال ، وهو أول ظهور له في احتجاجات المعارضة منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2009 وفاز فيها محمد ولد عبد العزيز. وذكرت وكالة "فرانس برس" أن ولد محمد فال تعهد خلال المظاهرة بالعودة بقوة إلى المسرح السياسي خلال الأيام المقبلة. وفي تعليقه على المظاهرة السابقة، خرج الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتصريحات نارية في اليوم ذاته شن خلالها هجوما عنيفا على معارضيه. وحمل ولد عبد العزيز في مهرجان حاشد له بمدينة نواذيبو في شمال موريتانيا الأنظمة السابقة مسئولية معاناة الناس في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، مؤكدا أن بعض قادة المعارضة الحاليين كانوا من قادة تلك الأنظمة. وفي سابقة من نوعها، حمل ولد عبد العزيز أيضا بعض قادة المعارضة الحاليين دون أن يسميهم مسئولية قتل مئات العسكريين الزنوج خلال تسعينيات القرن الماضي، قائلا:" إنه عندما يتم فتح تحقيق دقيق في ملف الإرث الإنساني سيتبين أن بعض من يتحدث اليوم هم مجرمون ومسئولون عن قتل زملائي في الجيش". ونقلت قناة "الجزيرة" عن مصادر مطلعة في نواكشوط القول إن ولد عبد العزيز ربما يشير باتهاماته تلك إلى الرئيس الأسبق أعلي ولد محمد فال الذي كان مسئولا عن الأمن خلال الفترة التي وقعت فيها مجازر ضد الزنوج، أو إلى بعض القادة العسكريين السابقين الذين ينشطون حاليا في صفوف المعارضة، موضحة أنه لم يجر حتى اليوم أي تحقيق علني ومحايد لكشف ملابسات تلك الأحداث وتحديد المسئولين عنها. وفي هجوم آخر على معارضيه الإسلاميين دون أن يسميهم، قال ولد عبد العزيز إن هناك من يتاجر بالدين ويستغله للحصول على مآرب وأغراض سياسية، مضيفا "الدين في دمائنا وأرواحنا ولكننا لا نتاجر به ولا نجمع به البطائق السياسية". وأضاف"من الغريب أن يكون هناك من يمد لحيته ويكذب، أما أنا فلا لحية لي ولا أكذب"، كما سخر من محاولات المعارضة إطلاق ثورة شعبية ضده، قائلا :"إن الثورات التي انطلقت في بعض البلدان العربية كان يقف خلفها شباب وكان يغذيها الشباب، أما الثوار الجدد في موريتانيا فهم عجزة وكهول". وأضاف "على من أراد معرفة كلمة السر وسبب دعوة هؤلاء العجزة إلى ثورة في موريتانيا أن يدرك أن هؤلاء متضررون من الواقع الحالي ولم يكونوا يسددون فواتير الماء والكهرباء للدولة وكانوا ينهبون المال العام ويأكلون قوت الناس". وشدد ولد عبد العزيز على أن مستوى الحريات المتحقق اليوم لم يحصل في أي وقت من الأوقات من تاريخ البلاد، قائلا:" بعض الذين يشكون اليوم من غياب الحريات هم من كانوا بالأمس يسجنون الناس ويتهمونهم بالتخطيط للانقلابات العسكرية عبر التقارير السرية التي يكتبونها لصالح الأنظمة الشمولية". وفي تحد واضح لدعوات المعارضة لإسقاط نظامه، اختتم ولد عبد العزيز تصريحاته النارية، قائلا:" إن النظام لم ولن يتغير، ولكن على المعارضة نفسها أن تتغير وتتجه لخدمة الشعب بدل نكران الإنجازات والكذب على الناس". ورغم أن ولد عبد العزيز حاول عبر تصريحاته السابقة إظهار قوته أمام معارضيه، بل وإحراجهم أيضا عبر التركيز على ملف قتل مئات العسكريين الزنوج خلال تسعينيات القرن الماضي، إلا أن ما يجمع عليه كثيرون أنه بات في وضع حرج للغاية على إثر تصاعد الاستياء الشعبي إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في موريتانيا، ولذا فإنه لا بديل أمامه سوى الإسراع بإدخال إصلاحات سياسية حقيقية قبل انتقال عدوى "الربيع العربي" إليه.