ما يجري في أروقة حركة فتح، حزب السلطة الفلسطينية، منذ أسابيع يستحق التوقف، فقد بلغ صراع الانتخابات الداخلية من أجل الترشح للانتخابات التشريعية مداه حتى وصل حد إطلاق الرصاص على بعض المراكز الانتخابية، أما البعد الأكثر إثارة فقد تمثل في تفوق جيل الشباب في الحركة على ما يعرفون بالحرس القديم. فوز مروان البرغوثي وعدد لا بأس به من قادة كتائب شهداء الأقصى والرموز المنحازين إلى مسار المقاومة خلال انتفاضة الأقصى، كان دليلاً على إدراك عناصر فتح لحقيقة موقف الجماهير الفلسطينية المؤيد للمقاومة ورجالها، ما يعني أن ترشيح أمثال هؤلاء هو الذي سيضمن الفوز بأكبر عدد من المقاعد، لاسيما وأن الطرف المنافس هو تيار منحاز للمقاومة ويقدم تاريخاً رائعاً يتضمن سجلاً طويلاً من المجاهدين والشهداء والأبطال الأسرى، أعني حركة حماس. على أن ذلك لا يفسر الجانب المتعلق بهواجس الجيل الشاب الذي يطمح إلى المشاركة في كعكة السلطة بعد أن صارت متاحة في ظل توقف الانتفاضة عملياً، والخلاصة أنه جيل يريد قطف ثمار نضاله مكاسب في السلطة والثروة، أي أننا إزاء مجموعات لا تستهدف تغيير البرنامج القائم على التهدئة والتفاوض بقدر ما تريد المشاركة في ثمارها على الأرض، وإن لم يكن بالإمكان الجزم بتوجه من هذا النوع بالنسبة الجميع. في أوقات الصعود الثوري يكثر العطاء ويتسابق المناضلون، وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى وتواصلت بتجلياتها الرائعة، تقدم الكثيرون في ساحة الفعل، وفيما هي تتوقف الآن لأسباب موضوعية معروفة، فإن من حملوا أعباءها قد تحولوا إما إلى شهداء أو أسرى أو مطاردين. أما الشهداء فقد أفضوا إلى ربهم، وأما الآخرون فينتظرون نصيبهم من الكعكة، أكان في غزة التي تتحول عملياً إلى دولة، أم في الضفة الغربية التي ستدخل مرحلة مراوحة تستعيد ما كان عليه حالها خلال النصف الثاني من التسعينات، أيام صعود اتفاق أوسلو. هناك من جانب آخر قدر من التزوير وربما التدليس فيما يجري، ذلك أن بعض نتائج الانتخابات قد اعتمدت وسائل في الترغيب والترهيب لا تخفى على العارفين، ومعلوم أن قطاعاً عريضاً من عناصر فتح هم من المتفرغين في الوزارات والدوائر والأجهزة الأمنية، وقد تيسر لبعض الأطراف كسبهم من خلال المال (من أين جاء؟!)، كما هو حال محمد دحلان ومن حوله في قطاع غزة، وكما هو حال جبريل رجوب وأصحابه في الضفة الغربية. أما السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه في ظل ما يجري في الساحة الفلسطينية فيتعلق بالبرنامج الذي ستطرحه حركة فتح على الجماهير لمواجهة التحديات المطروحة على أجندة الفلسطينيين، وعلى رأسها برنامج شارون للدولة المؤقتة. هل ثمة برنامج حقيقي على هذا الصعيد أم أن الأمر متروك لقيادة السلطة، وأن فتح ستخوض الانتخابات ببرنامج الماضي وليس ببرنامج الحاضر والمستقبل؟! أما الأهم فيتمثل في الحاجة إلى معرفة ماهية الطرح الذي يتبناه الجيل الجديد في حركة فتح كما يسمى، وهل يتجاوز الموقف مطالبة هؤلاء بالشراكة في المغنم بعد المشاركة في المغنم؟ نقول ذلك لأن كثيرين ما يزالون يعتقدون أن بعض عناصر الأجيال الجديدة تبدي مرونة أكبر في التعاطي مع القضايا السياسية والتنازلات بشكل عام، مع أن التجربة هي الحكم في نهاية المطاف، لكننا نتحدث عن تجارب التاريخ وتحولات المواقف في حالات من هذا النوع، وحيث يصعب على القيادات التاريخية التي قدمت التنازلات الأصلية والكبيرة (78% من أرض فلسطين التاريخية) أن تقدم تنازلات جديدة قد تبدو أسهل على الجيل الجديد الذي صحا على مصطلح ثوابت له تعريفه المختلف. يحيلنا هذا الأمر إلى مفاجأة الانتخابات الداخلية ممثلة في ذلك التحالف الذي أفضت إليه بين محمد دحلان ومروان البرغوثي وجبريل الرجوب في مواجهة القائمة التي أقرتها اللجنة المركزية لحركة فتح، وقد أدى ذلك إلى رواج إشاعات في الأوساط الفلسطينية تتحدث عن صفقة بطلها دحلان يفرج من خلالها عن البرغوثي مقابل دعمه للمسار السياسي الجديد في السلطة، الأمر الذي لا يمكن استبعاده بحال من الأحوال، وإلا فكيف يسمح لقادة الحركة بمقابلة البرغوثي على هذا النحو من أجل تنسيق المواقف معه؟ بالنسبة للإسرائيليين فإن الضمانة الأهم لاستمرار التهدئة وتمرير المسار السياسي القائم هو دعمه من قبل الجيل الأكثر شعبية داخل فتح، وفي حين يسيطر دحلان على الحركة في غزة من خلال المال، فإن البرغوثي هو فرس الرهان في الضفة، ما يعني أن قائمة يتصدرها الرجلان إلى جانب الرجوب يمكنها تمرير المسار السياسي الذي تريد. ما يجري إذن تفوح منه رائحة الخطورة، الأمر الذي قد يؤدي إلى صراع داخلي في حزب السلطة وإن حسم مساره وفق الهوى الإسرائيلي، ويبقى أن الموقف قد يستدعي تأجيل الانتخابات من أجل حسم الخيارات السياسية لفتح والسلطة، ولن تعدم قيادة السلطة مبرراً للتأجيل من خلال افتعال مزيد من الاعتداءات المسلحة من قبل مسلحين مجهولين على مقرات اللجنة العليا للانتخابات ، تبرر القول بعدم توفر الظروف الأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات. نعود إلى القول إن الجانب الأهم فيما يجري هو ما أشرنا إليه سابقاً ممثلاً في تقدم حركة فتح نحو الانتخابات من دون أي برنامج يتضمن رؤية مقنعة للخروج من المأزق الراهن، ما يعني أن الانتخابات لن تقدم شيئاً للفلسطينيين غير تنافس يمكن أن يعمق الشرخ فيما بينهم، لاسيما وأن السلطة ستبقى هي المتحكمة في كل شيء ، حتى لو توفرت لها معارضة تصرخ من الخارج من دون جدوى في ظل تمتعها (أي السلطة) بدعم أمريكي أوروبي إسرائيلي، وربما عربي أيضاً. المصدر : الاسلام اليوم