الانتكاسة التي عاشها الحزب الحاكم في مصر خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة انتكاسه لا بد من العكوف على دراستها . كما ولا بد من دراسة الأسباب التي أدت إلى وصول الحزب إلى هذا الانهيار بفكر المبدعين لا بفكر" الرداحين " الذي صدع الإعلام المصري الرسمي رؤوسنا بهم خلال الأسابيع القليلة الماضية . أحد أبرز أسباب انتكاسة الحزب الحاكم في مصر مؤخرا هو حرص الحزب الدائم على تزوير إرادة الأمة بشتى الطرق ومختلف والوسائل . هذه الآفة كانت لها تبعات وتداعيات . تراكمت خلال السنوات الماضية حتى حدث الانهيار الكبير في الانتخابات الأخيرة (سقط 332 نائبا وفاز 100 فقط من المجلس القديم ) . ولكن كيف ساهمت آفة تزوير إرادة الأمة في انتكاسة الحزب الوطني وبالتالي انسحب ذلك علي الوطن والمواطن في مصر ؟ إن رأس مال الحزب – أي حزب في العالم –هو الرأي العام .كما ويعتبر خطب ود الجماهير هي أصل وهدف كبير في مفهوم قيادات أي حزب في العالم . أما في الحالة المصرية فإن هذه الجماهير لا محل لها ولا اعتبار في مفهوم قواعد الحزب الدنيا والعليا . فلماذا تبذل هذه القيادات الجهد والوقت والمال مع هذه الجماهير طالما أنهم ومع كل انتخابات يتلاعبون ؟ وما الذي يجعل هؤلاء يصدعون رؤوسهم بهموم هذه الجماهير ومشاكلهم طالما أنهم ومع كل انتخابات يزورون ؟ وما الذي يجعل هؤلاء يعرضون أنفسهم حتى لغبار الطريق طالما أنهم ومع كل انتخابات يزيفون إرادة هذه الجماهير ؟ ومن هنا ولَّدت هذه الآفة - آفة تزوير إرادة ألأمة - عند كوادر الحزب في المدن والقرى حتى في النجوع حالة من الاستعلاء على الجماهير . فالبلد بلدنا . والرأي رأينا . والحكومة حكومتنا . والشرطة تحت أمرنا . وأمن الدولة في أيدينا . ومؤسسات الدولة برمتها رهن إشارتنا . هكذا كانوا يرددون 00 و يتفاخرون00 بجنون 0 ولطالما رددوا مثل هذه الادعاءات في كل مكان. دون مراعاة لمشاعر هذا الرأي العام . حتى منهم من كان يرتكب أفظع المخالفات, والتجاوزات التي تثير حقد الجماهير . ويدعون أنها تعليمات. يعزونها تارة إلي الشرطة , وتارة إلي امن الدولة , وتارة إلى أنها تعليمات عليا ., وأحيانا يدعون بأنها تعليمات معالي الوزير, بل ولا مانع أحيانا أن يدعون بأنها تعليمات مؤسسة الرئاسة نفسها ! . وقد لا يكون ذلك صحيحا. إنما هي آفة الاستعلاء التي أصابت هؤلاء المغمورين . وجعلتهم يتحدثون بمثل هذه النعرة . ولقد خلقت حالة الاستعلاء هذه التي أصابت كوادر الحزب في كل مدن , وقرى , ونجوع مصر حالة من الاستنكاف عن خدمة الجماهير. فلقد استنكف هؤلاء عن الالتحام بالجماهير , أو خطب ودهم ببرامج, أو مشاريع , أو أفكار تحقق خيرا لهذا المواطن . وتعود بالنفع على هذا الوطن . والسؤال الكبير الذي يجب أن يشغل بال المحللين - و الرداحين- في أن واحد :- ماذا قدم الحزب الوطني للجماهير طيلة السنوات الماضية ؟ اسألوا مئات القرى والمراكز والمدن عن أي برامج أو مشاريع أو أفكار أو التحامات أو تفاعلات تمت بين قيادات الحزب والجماهير خلال السنوات الماضية 0 اسألوا أمناء الحزب عن برامج الحزب , وخطط الحزب, وأفكار الحزب التي تخاطبوا بها مع رجل الشارع طيلة تاريخ الحزب 0 اسألوا أعضاء مجلس الشعب عن آخر زيارة قاموا بها لدوائرهم ؟ اسألوا أعضاء المجالس المحلية الشعبية عن أخر ما قدموه لدوائرهم ؟ اسألوا , واسألوا ,وأمعنوا في السؤال , ستجدون أن الإجابة لاشي . أن هذا اللاشئ الكبير الذي قدمه الحزب الحاكم في مصر لم يتولد من فراغ . إنما مرده ومنشأه في الأصل يرجع إلى أن كل هذه الكوادر من قمة الهرم إلى قاعدته استغنت واستعلت . استغنت عن الرأي العام واستعلت عن خدمة الجماهير. والسبب - كما ذكرنا- أنهم مرتكزون على شعارهم اللذيذ –الذي لم يجرؤ احد من الرداحين يوما على مهاجمته- ألا وهو شعار " التزوير هو الحل ". هذا الشعار الذي أرى أنه أحد ابرز عوامل انتكاسة الوطن , والوطني, والمواطن في مصر في آن واحد . ولما حل موعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة . وعندما حانت اللحظة التي أحس فيها المواطن العادي بإمكانية التعبير عن رأيه بصدق أمام صناديق الاقتراع الشفافة . ما كان منه إلا أن ركل كل هذه الهامات بقدمه . ودهس كل هذا الاستعلاء بحذائه .وبصق على هذا الاستنكاف . ولعن أبو هذا التزوير الذي جلب الانتكاسة للبلاد والعباد. ومن هنا كانت انتكاسة الوطني وعضو البرلمان الذي وصل إلي البرلمان بالتزوير الفاضح والمتبجح . تري لمن سيكون ولاؤه ؟ وكيف سيكون أداؤه ؟ وأي دور يمكن له القيام به ؟ و وهل سينحاز للبسطاء من الشعب أم لصف خبراء التزوير ومحترفيه ؟ هل يمكن أن يكون هذا العضو يوما في صف هذا الوطن وفي صالح هذا والمواطن؟ أم في صف من قام نيابة عنه وزور , وزيف آ لاف الإرادات واختزلها في إرادة واحدة ؟ وهل يمكن لهذا العضو أن يرفع عينه في عين الحكومة., أو يراقبها أو يسائلها, أو يضبط أداؤها كما خول له الدستور هذا الحق ؟ أم سيصفق لكل قرار . وسيرفع يده بالموافقة على كل توصل إليه أولياء نعمته. إن الوطن يخسر الكثير بهذا الدور السلبي لأعضاء مجالسه النيابية الذين اغتصبوا مقاعد البرلمان فيه بتزوير إرادة الجماهير . ثم إن هذا التزوير الذي يعلمه القاصي والداني. غالبا ما تصاحبه أوامر صريحة إلى كتيبة من المدافعين عنه . وتجميل صورته . هؤلاء المدافعين عن التزوير المفترض أن لهم ادوار جوهرية ثمينة يفترض أنها تصب في خانة الوطن والمواطن بالدرجة الأولى . وحينما ينزلق بعض- وليس كل - هؤلاء الصفوة إلي الدفاع عن هذا التزوير في مختلف وسائل الإعلام. فإنهم يفقدون مصداقيتهم أمام الرأي العام. و بهذا يخسر الوطن خسائر جسيمة بفقدان الجماهير الثقة في طليعة الأمة ومفكريها وساستها وقادتها. وهذه والله هو الكرب الذي يجب أن نعزى فيه . . فالوطن – أي وطن – بدون الثقة في علمائه, مثقفه , ومفكريه, وساسته , وقياديه – هو وطن يتيم . و جهاز الشرطة الذي هو درع الأمة وسيفها . والذي هو عز الأمة وشرفها .حينما ينزلق إلي مستنقع التزوير إنما يفقد الكثير من مصداقيته. ويعطي مبررات غير مباشرة لنشر ثقافة التزوير علي ارض الوطن . وبذلك يخسر الوطن خسائر كثيرة عظيمة والسبب فيها هو تزوير إرادة الجماهير . لقد ساهمت آفة تزوير إرادة الناخبين في المجتمع المصري خلال العقود السابقة في تفشي العديد من الظواهر السلبية في المجتمع المصري . تلك الظواهر أثقلت كاهن الوطن . وأحنت ظهر المواطن . وليعلم الجميع أن وطننا لن يبرأ من هذه الجراح قبل أن يعلن الوطني طلاق شعار "التزوير هو الحل" طلاقا بائنا . من اجل صالح المواطن البسيط على ارض مصرنا الغالية . إن الانتخابات المصرية الأخيرة أسمعت كل من كان في إذنيه صمم العديدَ من الحقائق المدببة . ابرز هذه الحقائق إن تزوير إرادة الناخبين في مصر و التي دأب عليها ويهوها العديد من أصحاب النظرات القاصرة داخل أروقة الحزب الحاكم في مصر إنما يُعزي إليها الانتكاسة الكبرى الذي يتخبط فيها الوطن والوطني والمواطن على ارض مصر سواء بسواء . . [email protected]