أربعة عقود من الوفاء سطرها شاب سعودي، يعكس قيمة المجتمع الشرقي وفي القلب منه المملكة العربية السعودية على قيمة الوفاء والعرفان، وإبراز قيمة معلم الأجيال الذي ترك بصمة روحية ووجدانية على تلاميذه لم تعكرها أو تنهيها عذابات السنين.. بل زادتها شوقا ووفاء حتى ترجمها الشاب الوفي بين أحضان معلمه يقبل يديه علامة على وفائه ونجابة المعلّم والمتعلّم. 41 عاما قضاها خبير التعليم السعودي عبد الله أحمد قهار صميلي يبحث عن معلمه المصرى الحاج عبد المنعم القاضى حتى اهتدى إليه مؤخرًا وقطع آلاف الأميال حتى وصل إليه حيث يقطن فى مدينة قفط - محافظة قنا ليرد الفضل لمعلمه الذى تتلمذ على يديه منذ 41 عامًا. "المصريون" التقت المعلم المصري عبد المنعم القاضي في منزل ابنته بمنطقة الوفاء بمدينة الغردقة. المعلم كان في استضافته خبير التعليم السعودي عبد الله أحمد قهار صميلي معلم تربية اسلامية، الذي أكد أنه يقيم في منطقة جازان جنوب السعودية علي حدود اليمن. وأضاف: "فى 1972 كنت في الفصل الدراسي الأول والحياة كانت قاسية في ذلك الوقت وجاء معلمي عبد المنعم القاضي من مصر محافظة قنا مركز قفط، الذي تتلمذت على يديه وتعلمت القراءة والكتابة وحفظ القران الكريم والصلاة ومنهج التوحيد". كما قام بالتدريس لي في المرحلة الأولي والثانية الابتدائية ومكث يعلمنا ست سنوات بالمدرسة وتركنا وذهب ومنذ ذلك الحين وأنا ابحث عليه قرابة 41 عامًا لكي أزوره وشكره على ما فعله معي حيث كانت فترة تدريس المعلم المصري لي هي الأساس والسبب الرئيسي الذي أدى لتفوقي العلمي ووصولي للمكانة التي أحظي بها الآن. وأوضح أنه طوال هذه المدة يبحث عن معلمه واسأل عليه المعلمين الوافدين من مصر فلا أجد إجابة شافية، حيث انقطعت الأخبار نهائيًا عن المعلم الذي لم يترك له عنوانًا أو أثرًا يمكن الاستدلال عليه. وتابع: "قبل 10 سنوات مضت وعقب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي مكثت ابحث عن معلمي واكتب في فيس بوك اسم معلمي، على أمل أن أعثر عليه أو على أحد من أقاربه أو أبنائه حتى تسرب اليأس إلى وفجأة وجدت رسالة لي على الفيس من أحد المصريين المتواصلين معي يطلب مني أن اكتب اسم المعلم كاملا والمحافظة والمدينة التي ينحدر منها عسى أن يتوصل إليه، وبالفعل ذهبت إلى أبي وقلت له أين يقيم معلمي عبد المنعم في أي مكان في محافظة قنا، فقال لي أبي علي ما أتذكر يقيم في مركز فقط". وأضاف: "على الفور قمت بكتابة اسم المعلم كاملاً والمحافظة والمدينة طالبًا معرفة بيانات الرجل ورقم هاتفه وعنوانه وبالفعل تواصل معي من خلال فيس بوك، أمين مسعود من قرية الكلاحين مركز قفط وكان هذا هو الخيط الأول". الطالب الوفي أوضح أن الشاب أخبره أنه سيبلغ رسالته للمعلم المصري ويبلغه بالخبر وسيستأذنه في إعطاء رقم الهاتف له، وفور وصوله لعبد المنعم القاضي أخبره بالتفاصيل فطلب منه الأخير على الفور منحه رقم الهاتف مؤكدًا أنها كانت لحظة إنسانية مؤثرة عندما تواصل السعودي بمعلمه المصري. وكانت المكالمة الأولى بينهما بعد 41 عامًا مليئة بتفاصيل يعجز القلم عن وصفها ومفعمة بمشاعر وأحاسيس راقية وعظيمة تؤكد عظمة الشعبين الشقيقين وتلاحمهما واتفقا علي اللقاء في مصر محافظة قنا مركز فقط. المعلم السعودي قام بحجز الطائرة وهو وزوجته أم حمزة وسافروا إلي مطار جدة بالسعودية ومنه لمطار الأقصر للقاء معلمه، وفور وصوله ولقائه بمعلمه المصري في منزله لأول مرة بعد 41 عامًا قبلت يده ورأسه وجلست بجواره نتبادل الذكريات. واقترح على المسئولين في المملكة العربية السعودية الاستعانة بالمدرسين الخبرة وعودة الإعارة للمدرسين المصريين للاستفادة من خبراتهم بجانب المدرسين السعوديين. وأعرب عن شكره للإعلام المصري لما شاهده من حسن اللقاء وحفاوة الاستقبال له من مطار الأقصر إلي وصوله مركز قفط محافظة قنا ثم مدينة الغردقة. من جانبه أكد المعلم المصري أن ما فعله عبد الله موقف نادر من الوفاء والعرفان من تلميذ لأستاذه، ويدل على حسن تربيته وسمو أخلاقه فبعد هذه السنوات الطويلة ما زال يتذكرني ويقتطع من وقته وجهده وماله الكثير ليزورني في مسقط رأسي بجنوب مصر ويكرمني وسط أهلي. وأضاف أنه إنسان عظيم أشكر الله أنه من تلاميذي فقد منحني بموقفه هذا جرعة كبيرة من السعادة تكفيني حتى نهاية العمر لذا أنا ممتن له ولعائلته الكريمة في السعودية، لافتا إلي أن الله أكرمه في أولاده، فلديه الدكتور أسامة عبد المنعم بجامعة جنوب الوادي، والدكتور أحمد عبد المنعم صيدلة بقنا، والدكتورة ابتسام بالغردقة، والمهندسة أمل بالأبنية التعليمية وإيناس مدرسة رياضيات بقنا. كما أعرب عن أمنيته في زيارة الرسول الكريم، وحج بيت الله الحرام ، مؤكدًا أنه كتب علي الحج أكثر من مرة في نظام القرعة لكن لم يحالفه الحظ. فيما ناشد عبد الله صميلي المسئولين في المملكة العربية السعودية بتحقيق أمنية أستاذه، وأن يسهلوا حج المعلم الفاضل. نجل المعلم الإعلامي عبد الحكيم القاضي أكد أنه رغم حالة والدي المادية والبسيطة إلا أنه نجح في تربية أبنائه وتعليمهم وهم 3 بنات وولدان وجميعهم أطباء ومهندسون كما تم تكريمه ومنحه لقب الأب المثالي في محافظة قنا لجهده الكبير في تعليم أبنائه ورعايتهم وتنشئتهم جيدا حتى أصبحوا في مناصب كبيرة وفاعلة في مصر. ومن ذكريات المعلم المصري بالسعودية أنه ركب دراجته البخارية، ليصل من جازان إلي جدة مسافة تبلغ 100 كيلو متر وأثناء السير وقعت بنا واحترقت ساقي ومكثت أتعالج شهرًا حتى تماثلت للعلاج. وأضاف أنه كان معتمرًا في مكةالمكرمة ومسافر إلى مصر عقب العمرة وكنت ممسكًا بحقيپه في يدي بها جميع مدخراتي، حيث وضعت الحقيبة بين ذراعي وعند فراغي من الطواف لم أجدها، ومكثت داخل الحرم وناديت ودعوت ربي بردها عليّ. وتابع: إذا بأحد المطوفين لابس جاكت أصفر تقريبًا عسكري قال لي في ايه فقلت له فقدت حقيبتي ومدخراتي. فقال لي بلغت الشرطة قلت له لا قال لي تعال بلغ الشرطة، فإذا بي أجد حقيبتي معهم والفلوس والأوراق بداخلها. وبعد التأكد من شخصيتي قالوا لي: "هذا هو الرجل الذي أحضر الحقيبة التي تخصك فقلت له خذ ما يكفيك من نقود من الحقيبة وفتحتها أمامه، فرفض، فأخذ خمسة ريالات لتوزيعها علي الفقراء". شاهد الصور: